الإنسان هو المخلوق الأول رتبة من بين المخلوقات لماذا؟ لأن الله عز وجل ركب الحيوان من شهوة بلا عقل، وركب الملك من عقل بلا شهوة، وركب الإنسان من كليهما، فإن سما عقله على شهوته أصبح فوق الملائكة، وإن سمت شهوته على عقله أصبح دون الحيوان، هذا كلام يحتاج إلى دليل من كتاب الله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ﴾ فإما أن يكون الإنسان فوق الملائكة أو أن يكون دون الحيوان، لذلك الإنسان هو المخلوق الأول رتبة لقوله تعالى: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ﴾ الأمانة هي نفس الإنسان، جعلها الله أمانة بين يديه، فطوبى لمن عرفها بربها، وحملها على طاعته، وجعلها تتقرب إليه، فسلمت وسعدت في الدنيا والآخرة، والويل لمن جعلها غافلة عن الله، وتفلت من منهج الله، وأساءت إلى خلق الله، فشقيت وهلكت في الدنيا والآخرة. قال تعالى: ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى * وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى﴾ ملايين الطرق التي يسلكها الناس، ولكن البشر جميعاً على اختلاف مللهم، ونحلهم، وانتماءاتهم، وأعراقهم، ونسبهم، وطوائفهم، ومذاهبهم، لا يزيدون عن نموذجين حصراً، نموذج أول عرف الله فانضبط بمنهجه، وأحسن إلى خلقه، فسلم وسعد في الدنيا والآخرة، ونموذج غفل عن الله، وتفلت من منهجه، وأساء إلى خلقه، فشقي وهلك في الدنيا والآخرة، ولن تجد نموذج ثالثاً.
الآن النموذج الأول: ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى﴾ النموذج الأول صدق أنه مخلوق للجنة، فاتقى أن يعصي الله، وبنى حياته على العطاء، فكان الرد الإلهي أنه يسره لسعادة الدنيا والآخرة،
وأما النموذج الثاني: الذي ﴿كَذَّبَ بِالْحُسْنَى﴾ بالجنة، وآمن بالدنيا، واستغنى عن طاعة الله، وبنى حياته على الأخذ.
فلذلك الأنبياء أعطوا ولم يأخذوا، الأقوياء أخذوا ولم يعطوا، الأنبياء ملكوا القلوب، والأقوياء ملكوا الرقاب، الأنبياء عاشوا للناس، والأقوياء عاش الناس لهم، فهذان النموذجان هما النموذجان الوحيدان في الأرض، فلذلك الإنسان حينما يؤمن بالله، ويتقرب إلى الله بالأعمال الصالحة، يكون فوق المخلوقات جميعاً، إذاً الإنسان هو المخلوق الأول رتبةً، والدليل القوي: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ﴾ أي على جميع الخلائق في عالم الذر، ﴿فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ﴾ هو حينما حملها هل كان ﴿ظَلُوماً جَهُولاً﴾ ؟ ؟ في الحقيقة كان طموحاً، متطلعاً إلى أعلى مرتبة ينالها مخلوق، ولكن إذا قبل حمل الأمانة، ولم يؤدِ هذه الأمانة ﴿كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً﴾.
فالأمانة هي أنت، إنك قبلت حمل الأمانة تسلم وتسعد إذا أديت الأمانة، وتشقى وتهلك إذا لم تؤدِ الأمانة، هي أنت، وأخطر ما في الأمانة أن تؤديها كما أراد الله عز وجل، والله عز وجل ما كلفك بشيء إلا وأعطاك مقوماته، من أجل أن تحمل الأمانة جعل الله لك هذا الكون معرضاً لأسمائه الحسنى وصفاته الفضلى، أعطاك العقل، أعطاك الفطرة، أعطاك الشهوة المحركة، أعطاك الشرع كميزان، أعطاك الوقت، فما كلفك أن تعبده إلا بعد أن أعطاك مقومات هذه العبادة، فلذلك الأمانة تعني أن تسعد في الدنيا والآخرة، بل أن تسلم وتسعد، لأن كل إنسان في الأرض جبل على حبّ وجوده، وعلى حبّ سلامة وجوده، وعلى حبّ كمال وجدوه، وعلى حبّ استمرار وجوده، فلمجرد أن تطيع الله عز وجل اصطلحت مع نفسك وأديت الأمانة، وحققت الهدف الذي خلقك الله له ألا وهي السعادة، قال تعالى: ﴿إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ﴾.