الحقيقة أنَّ الإنسان إما أن يتأدّب تأديباً داخلياً، وإمَّا أن يتأدّب تأديباً خارجياً، الإنسان إذا طبَّق الآداب التي نصَّ عليها الشارع الحكيم، تطبيق هذه الآداب يعينُه على الاتصال بالله عزَّ وجل، واتّصاله بالله عزَّ وجل يُثمر له رقةً في المشاعر، ودقّة في الموازين، فأنت إمّا أن تتأدب حين تطبِّق قواعد الشرع، أو حينما ترقُّ المشاعر وتدِّق الموازين، نجمع بينهما، مَنْ عَمِلَ بِمَا عَلِمَ أَورَثَهُ اللَّهَ عِلْمَ مَا لَمْ يَعْلَم، تطبّق التعليمات، تتّصل بربِّ الأرض و السموات، بعد الاتصال تصبح هذه التعليمات جزءاً من كِيانك، تطبّقها عفواً لا قصداً، تطبقها سجيّة لا تصنُّعاً، تطبِّقها استجابةً لوازعٍ داخلي لا خوفاً من رادع خارجي، هذا ما فعله النبي عليه الصلاة و السلام، أو هذا ما قاله النبي عليه الصلاة و السلام حينما سُئل : ((أدَّبني ربِّي فأحسن تأديبي)). قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أَطْعِمُوا الْجَائِعَ، وَعُودُوا الْمَرِيضَ، وَفُكُّوا الْعَانِيَ)) إذاً: عيادة المريض سلوك إسلاميّ، سلوك إيمانيّ، سلوك يتميَّز به المسلم، هو أن تعود أخاك المريض، بالإضافة إلى العيادة، أن تتفقد أحواله، وأن تتعهد بعضها، وأن تتلطَّف به، هذه أحكام العيادة.
ويندب في عيادة المريض أمور كثيرة، منها:
- يستحبُّ لعائد المريض أن يدعو له بالشفاء وأن يأمرَه بالصبر: تدعو له بالشفاء "شفاك الله وعافاك"، ((عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ سَعْدٍ أَنَّ أَبَاهَا قَالَ اشْتَكَيْتُ بِمَكَّةَ فَجَاءَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُنِي وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى جَبْهَتِي ثُمَّ مَسَحَ صَدْرِي وَبَطْنِي ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ اشْفِ سَعْدًا وَأَتْمِمْ لَهُ هِجْرَتَهُ))، وقال صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ عَادَ مَرِيضًا لَمْ يَحْضُرْ أَجَلُهُ، فَقَالَ عِنْدَهُ سَبْعَ مِرَارٍ: أَسْأَلُ اللَّهَ الْعَظِيمَ رَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ أَنْ يَشْفِيَكَ، إِلا عَافَاهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ))، أي إذا كان هناك إيمان، واستقامة، وحب بين المؤمنين، وأخ كريم عاد أخاه المريض، ودعا له من أعماق قلبه، أغلب الظن وأرجح الظن أنَّ الله سبحانه وتعالى يستجيب ويشفي هذا المريض المؤمن. ((عَنْ عَائِشَةَ رَضِي اللَّهم عَنْهَا، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُعَوِّذُ بَعْضَ أَهْلِهِ يَمْسَحُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاسِ أَذْهِبِ الْبَاسَ، اشْفِهِ وَأَنْتَ الشَّافِي، لا شِفَاءَ إِلا شِفَاؤُكَ، شِفَاءً لا يُغَادِرُ سَقَمًا))، والسقم هو المرض. عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ الثَّقَفِيِّ قَالَ: قَدِمْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِي وَجَعٌ قَدْ كَادَ يُبْطِلُنِي فَقَالَ لِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اجْعَلْ يَدَكَ الْيُمْنَى عَلَيْهِ وَقُلْ: ((بِسْمِ اللَّهِ، أَعُوذُ بِعِزَّةِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ وَأُحَاذِرُ، سَبْعَ مَرَّاتٍ، فَقُلْتُ ذَلِكَ فَشَفَانِيَ اللَّهُ))، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا دَخَلَ عَلَى مَرِيضٍ يَعُودُهُ قَالَ: ((لا بَأْسَ طَهُورٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ)) . عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً من الأنصار، فأكبَّ عليه يسأله، قال: يا رسول الله ما غمِضت ليَ عين منذ سبع ليال، ولا أحد يحضُرني، فقال عليه الصلاة والسلام: ((أيّ أخي اصبِر، تخرج من ذنوبك كما دخلت فيها)) . وكان عليه الصلاة والسلام يضع يده الشريفة على مكان الألم ويقول: بسم الله ، هذه بعض آداب عيادة المريض.
- يستحبُّ للزائر أن يطيّب نفس المريض وأن ينفسُّ له في الأجل: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إِذَا دَخَلْتُمْ عَلَى الْمَرِيضِ فَنَفِّسُوا لَهُ فِي الأَجَلِ، فَإِنَّ ذَلِكَ لا يَرُدُّ شَيْئًا، وَهُوَ يَطِيبُ بِنَفْسِ الْمَرِيضِ))، هذا يعني أن مهمتك أن تتكلم بكلام طيِّب، لذلك الإنسان من حكمته، ومن اتباعه للسَّنة، إذا علم عدة قصص، فيها شفاء من الله عزَّ وجل، فيها عناية إلهية، يجب أن يذكر هذه القصص للمريض، لأنَّ هذه القصص ترفع معنويات المريض، ولا أكتمكم أنَّ في رفع معنويات المريض تعجيلاً للشفاء، لأن ارتباط النفس مع الجسد ارتباط دقيق جداً، هناك طبيب حدَّثني عن الآلية، كيف أنَّ الإنسان عندما تكون معنوياته عالية جداً، هذه المعنويات العالية تعين العضوية على الشفاء لارتباط كبير جداً بين الحالة النفسية وبين الحالة العضوية، وليس غريباً أنَّ أمراض السكر لها علاقة بالصدمات النفسية، وجهاز الهضم كذلك، أمراض القلب كذلك، أكثر الأمراض، تكاد تكون الأمراض كلَّها ذات اتصال وثيق جداً بالحالة النفسِّية، فلذلك المؤمن له هذه الميزة، أنَّ معنوياته المرتفعة دائماً تعينه على الشفاء السريع، فلذلك الطبيب والممرِّض والذي يعود المريض من أخطر ما يفعله أنَّه يبثُّ الرعب و الخوف في المريض، فمن سنَّة عيَّادة المريض، أن يطيّب نفس المريض بإقناعه في الحياة، وقرب الشفاء.
- يستحبُّ تخفيف العيادة، وعدم تكرارها في اليوم الواحد، إلاَّ إذا رغب المريض: إذا رغب في التكرار، أو رغب في التطويل وأصَّر على ذلك، أمَّا إذا ما تكلَّم شيئاً فيستحبُّ ألاَّ تكرَّر في اليوم الواحد، وألاَّ تطوَّل، والنبيّ عليه الصلاة والسلام جعل العيادة بقدر فواق ناقة .
- يستحبُّ لمريد العيادة الوضوء: ما حكمة ذلك؟ النبيّ الكريم سَنَّ وضوء الطعام، وضوء الطعام: غسل اليدين والفم قبل الطعام وبعد الطعام والحكمة واضحة، إذا الإنسان صافح إنساناً آخر، أو مسك شيئاً ملوَّثاً فإذا أراد أن يأكل ولم يغسِّل يديه فقد وقع في مشكلة، ففمه ويداه تغسَّلان قبل الطعام وتغسَّلان بعد الطعام، واسم هذا الوضوء وضوء الطعام. وأيضاً عند عيادة المريض قال صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ وَعَادَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ مُحْتَسِبًا، بُوعِدَ مِنْ جَهَنَّمَ مَسِيرَةَ سَبْعِينَ خَرِيفًا))، أنّه قد يكون هذا العائد يحمل مرضاً، قد يكون معه تلوث، قد يكون بيده جراثيم وهو لا يدري، حامل مرضاً وليس مريضاً، وهذا ما اكتشفه العلم مؤخراً، النبيّ عليه الصلاة والسلام، في حديث يعدٌّ من إعجازه قال: ((الطَّاعُونُ آيَةُ الرِّجْزِ، ابْتَلَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ نَاسًا مِنْ عِبَادِهِ، فَإِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ فَلا تَدْخُلُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلا تَفِرُّوا مِنْهُ))، معروف السبب، إذا كنتم فيها لا تخرجوا منها، عدم الدخول واضح، هؤلاء خطرون جداً، لأنهم ينقلون المرض، من دون أن يأخذ المريض أو الرجل احتياطه منه، فنحن الأكمل كما فعل النبيّ، أنَّك إذا عدت مريضاً عليك أن تتوضأ، إذاً الوضوء أيضاً من السِّنة.
- يستحبُّ للعائد ألاَّ يتناول عند المريض طعاماً، ولا شراباً: ماذا يحصل؟ أيّ أهل المريض في شغل عن تقديم الضيافة، والمريض قد يشتهي هذا الطعام الذي يُقدَّم، والعائد قد يجد حرَجاً إذا تناول شيئاً عند المريض مخافة العدوى، فالزائر في حرج، والأهل في حرج، والمريض في حرج، فالسُّنة ألا تقدَّم ضيافة أبداً من قبل أهل المريض، والسُّنة من العائد ألا يأكل شيئاً، لأنه تقع إحراجات كثيرة جداً، إذا كان جاءنا عائد لمريض ليس من العار ألا نقدم له شيئاً، لأنها هذه سّنة النبيّ، هكذا قال عليه الصلاة والسلام: ((إذَا عَادَ أَحَدُكُم مَرِيضَاً فَلا يَأْكُل عِنْدَهُ شَيِئَاً، فَإِنَّهُ حَظَّهُ مِنْ عِيَادَتِه)) .