بحث

الإيمان بالله عن طريق الدليل العقلي والبرهان العلمي ولا يمكن للدين والعلم الحق إلا أن يتطابقا

الإيمان بالله عن طريق الدليل العقلي والبرهان العلمي ولا يمكن للدين والعلم الحق إلا أن يتطابقا

بسم الله الرحمن الرحيم

     أيها الأخوة، الإيمان بالله عز وجل يمكن أن يكون عن طريق الفطرة السليمة، ويمكن أن يكون عن طريق الدليل العقلي والبرهان العلمي، إذا تركنا الفطرة جانباً كان البحث العلمي بما فيه من استدلالٍ نظري واختبارٍ وتجربة سبيلاً إلى التعرف على حقيقة وجود الخالق جل وعلا.   

     يوجد نقطة مهمة جداً في هذا الموضوع هذا الدين من عند الله، الله سبحانه وتعالى عليم بكل شيء، وهذه المجرات والشمس والقمر والبحار والسموات والأسماك والأطيار والنباتات والحيوانات وأي شيء مبني على علم بالغ، مثلاً الناموسة إذا وقعت على يديه لا يشعر بشيءٍ إطلاقاً، لا بتأنيب الضمير ولا بشعور أنه قتل قتيلاً ولا بأنه ارتكب إثماً أو معصيةً، ولا أنه أزهق نفساً من غير سبب لتفاهتها عند الخلق، ومع ذلك هذه الناموسة فيها رادار، وفيها جهاز تحليل دم، و جهاز تمييع دم، وجهاز تخدير، وجناح يرف أربعة آلاف رفه في الثانية، وفيها ثلاثة قلوب، و محاجم، و مخالب، وذكاء، فالناموسة تختبئ وراء الستار أو وراء السرير، إذا استيقظت وأشعلت المصباح فأين هي؟ إنها تختبئ لأنها تعرف أنك غضبت منها وتريد أن تقتلها، تختبئ في مكانٍ لا تراها فيه هذه الناموسة عندها علم.  

     الحوت كم فيه من علم؟ وزنه تقريباً مئة وثلاثون طناً وطوله ثلاثون إلى أربعين متراً وفيه خمسون طناً دهناً، وخمسون طناً لحماً، وثلاثون طناً عظماً تقريباً، ويخرج منه تسعون برميلاً زيتاً، إذا أراد أن يتناول وجبة خفيفة فإنه يأكل 4 طن ويرضع صغيره 300 كغ حليب بالوجبة أي 3 وجبات طناً حليباً باليوم الواحد، يرضع صغيره طن حليب، فهل الحوت مبني بلا علم؟  

     العصفور ألا يوجد عنده علم؟ فلقد قرأت في مجلةٍ عن الطيران أن أعظم طائرة اخترعت حتى الآن لا ترقى إلى مستوى الطير أبداً، اركب طائرة 400 راكب وكأنهم في مدينة، أكل وشرب وحاجات ومقاعد كثيرة، وعلى ارتفاع 40 ألف قدم، فهل الطائرة ليس عندها علم؟ فالطائر أعظم من الطائرة البحار ليس عنده علم، السحب، والأمطار، والجبال، والمعادن وأشباه المعادن، الحقيقة إذا قلت علم الله عز وجل الفيزياء من علم الله، وهناك تجد كتاباً في آخره ثماني صفحات مراجع بخط صغير يمكن أن تكون ثمانمئة مرجع، الفيزياء الكيميائية والكهرباء في الفيزياء، أو الصوت، أو الحرارة، تجد الفيزياء النووية والكيمياء العضوية واللاعضوية هذه علوم الله، والإنسان لم يفعل شيئاً سوى كشفها فالفلك والطب والحيوانات والأسماك والأطيار كل شيءٍ اكتشفه العلم إنما هو من علم الله:  

﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً﴾

     فلو أنك ذهبت إلى مكتبة غنية تجد مئة ألف مجلد متعلقة فقط بالجسم، مثلاً كتاب ستة أجزاء عن القلب بالحرف الصغير، وكل جزء ثمانمئة صفحة عن القلب، لقد تصفحت كتاباً عن  القلب منذ يومين، يشعر الإنسان بدهشة ويصعب عليه فهمه، وعن الرئتين، والدماغ، والعضلات، والعظام. هذا علم الله وهذا دينه، أيعقل أن يكون دين الله فيه خطأ، أو فيه تناقض، أو فيه أشياء غير معقولة؟ هذا مستحيل انه خلق الله وكلام الله.

      لابد من تناسبٍ بين خلق الله وبين كلام الله، دقة بالغة في كلامه، وتشريعه، وأنبيائه، وقرآنه، فالنقطة الدقيقة التي أُريد أن أقولها: إن الحقيقة لا تخشى البحث أبداً مهما تقدم العلم بعد ألفي سنة، أو خمسة آلاف، لن يكتشف العلم حقيقةً تعارض القرآن الكريم ومستحيل ذلك لأن هذا كلامه وهذا خلقه، فمن سابع المستحيلات أن يكتشف العلم شيئاً مناقضاً للدين أبداً، وكلما تقدم العلم ازداد قرباً من الدين.

     التقيت مع طبيبٍ جراح فقال لي كلما وجدت جرحاً إنتانياً مستعصياً شفاؤه أضع له العسل وخلال مدة قليلة يشفى المريض:   

﴿ ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾

     وعندئذٍ أدركت أن العسل إلى أن يكون دواءً أقرب منه إلى أن يكون غذاءً، بل إن العسل كما وصف من قبل بعض العلماء " صيدلية كاملة ".  

     فالحقيقة لا تخشى البحث، لا تخف أن تقرأ مقالةً في مجلةٍ تنقض آيةً قرآنية، لأن خالق الكون هذا كلامه وليس يعقل أن يكون في كلامه شيء مناقض لخلقه، وإذا كنت تُعرّف الناس بالله فقل لهم: أقرءوا ما تشاءون، اذهبوا أينما شئتم، ناقشوا من تشاءون، يبقى الحق حقاً والباطل باطلاً، هكذا بهذه البساطة الحقيقة لا تخشى البحث، لقد وجدنا جمجمة هي الحلقة المفقودة بين الإنسان والقرد وذلك يعني أن نظرية داروين صحيحة كله كلام فارغ. هذا الذي لا يقرأ مشكلته مشكلة، وأخطر إنسانٍ في المجتمع هو نصف العالم أخذ شهادة فظن نفسه عالماً الجهل مفيد لأن صاحبه متواضع يتعلم والعلم مفيد، و لكن الشيء الخطر أن تتعلم شيئاً و تغيب عنك أشياء، أن تظن نفسك عالماً وأنت لست كذلك، قرأ في المراحل الدراسية الأولى عن نظرية داروين أن الإنسان أصله قرد فعلق ذلك بذهنه والدين يعتبره خرافة شيء قديم، أي أن هذا الإنسان كان إنساناً و أصبح قرداً مسخ الآن، إذا كان الإنسان همه بطنه وهمّه شهوته وليس عنده أية قيمة فإنه مسخ قرداً، أنا آمنت بها مؤخراً بشكلٍ معكوس، كان إنساناً فأصبح قرداً.   

     فالحقيقة لا تخشى البحث، لا تخف ولو ذهبت إلى عواصم الكفر ولو التقيت مع أكبر العلماء لا تخش على إيمانك، لا يوجد وقت للإفاضة في هذه الموضوعات، علماء من كبار الملاحدة حينما قرءوا بعض آيات القرآن قالوا هذا الكلام من فوق من عند جهةٍ فوق الكون، لأنه واضح، فالعلم اكتشف أن بلاد العرب كانت في القرون السحيقة بساتين وأنهاراً، فكيف عرفوا ذلك؟ من المستحاثات، إذ يوجد مدن بكاملها في الربع الخالي مدفونة تحت الرمال، وجذوع أشجارٍ ضخمة، ومستحاثات متحجرة، ورسوبيات أنهار، والعلم أيضاً بحسب معطياته الحديثة يتنبأ أن خطوط المطر تنتقل إلى أن تغدو بلاد العرب بساتين وأنهاراً، العالم الجيولوجي الذي قرأ هذا الحديث الشريف قال عليه الصلاة والسلام:   

" لا تَقُومُ السَّاعَةُ ... وَحَتَّى تَعُودَ أَرْضُ الْعَرَبِ مُرُوجًا وَأَنْهَارًا "

     وفي القرآن يوجد إشاراتٍ كلما تقدم العلم اكتشف بعض الحقائق، إلا أن الإمام علي كرّم الله وجهه قال:" في القرآن الكريم آيات لم تفسر والعلم كلما تقدم يفسرها " هذه الملاحظة الحقيقة لا تخشى البحث أبداً.  

     ديننا دين معقول مبني على العلم لأن الخالق عليم وهذا دينه فيه علم فلا يظن أحدنا أنه إذا تناقش مع كافر فسينهار أمامه، ولو أن لك إيماناً قوياً لا تخش به أن تواجه أحداً على وجه الأرض.  

     لكن يوجد ملاحظة: لو أنك واجهت حقيقةً أو واجهت شيئاً في العلم يناقض شيئاً في الدين، فكيف تفسر هذه الظاهرة؟ هناك ثلاثة تفسيرات:  

     التفسير الأول: إما أن البحث العلمي لم يصل إلى مرحلة الحقيقة فهو نظرية، فنظرية داروين لن تنقلب إلى حقيقة، وإن هذه النظرية تُخالف ما جاء في كتاب الله فهي نظرية لم تثبت، بل إن أهل العلم أنكروها وتجاوزوها والآن يسخرون ممن يتكلمون بها، فالذي يقول بها الآن أقول له كلمة واحدة: معلوماتك قديمة جداً وأهل العلم في سخروا ممن يدعيها، فإذا كان هناك تناقض بين العلم وبين الدين فلأن البحث العلمي لم يصلْ إلى مرحلة الحقيقة بل بقي في حيز النظرية.  

     التفسير الثاني: أن المنقول عن الدين غير صحيح، مثلاً هناك 200 ألف حديث موضوع فلو أنك قرأت حديثاً موضوعاً بأي كتابٍ أو قرأت حديثاً ضعيفاً وناقضاً حقيقةً علميةً لا نفعل شيئاً هذا الحديث ضعيف، والحديث الموضوع يناقض العلم.  

     التفسير الثالث: أنه وقع الإنسان في خطأ في تفسير الحديث وفهمه.  

     فإما أن نسيء فهم الحديث أو أن يكون الحديث موضوعاً وإما أن تكون مرحلة البحث العلمي لا تزال في حيّز النظرية، هذه هي التفسيرات التي يمكن أن تفسر بها التناقضات أحياناً بين العلم والدين.  

     الحقائق المقطوع بها في الدين، والنتائج التي يتوصل إليها العلم بطرقه اليقينية القاطعة فإن بينهما تمام التوافق ولا بد من أن يلتقيا على نقطةٍ من الحقيقة واحدة، ولأن الحق لا يتعدد قطعاً في الأمور الاعتقادية ولا في الكائنات الثابتة، أي إذا رسمت خطاً مستقيماً بين نقطتين، وأردت أن ترسم بين هاتين النقطتين خطاً مستقيماً ثانياً لابد من أن ينطبق على الأول تمام الانطباق، فإذا كان الخط الأول هو العلم والثاني هو الدين فلا بد من تطابقٍ كامل، أما إذا كان أول خط لم يمس النقطة الثانية أي كان منحرفاً و الخط الثاني يمس النقطة الثانية فستجد فرقاً بينهما، فالأول لن يمر من هاتين النقطتين.  

      إن هذا الذي يطلّع على بعض الحقائق إن قيل له جهلاً إنها خِلاف الشرع إنما يرتاب في الدين ولا يرتاب من هذه الحقائق وعندئذٍ يكون كمن طعن في الدين، فلا تتسرع لأن العلم لا يناقض الدين أبداً، ولا تنف شيئاً ثابتاً علمياً دفاعاً عن الدين فإن الدين لا ينقضه. والنبي عليه الصلاة والسلام لما توفي ابنه إبراهيم كسفت الشمس وقتها مصادفة فقال الصحابة: لقد كسفت الشمس لموت إبراهيم، فقال عليه الصلاة والسلام وهو العالم المُدقّق:  

" أيها الناس إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا تكسفان لموت واحدٍ من خلقه ولا لحياته "

     هذه آية كونية.  

     لا تدافع عن الدين برد الحقائق العلمية الصحيحة، إن هذه الحقيقة تتوافق مع الدين إذا قلنا هناك زلزال فالزلزال له تفسيرات، حركة في باطن الأرض أدت إلى اهتزاز القشرة وتفسيرها معقد جداً، وأقول الزلزال من الله عز وجل هذا كلام صحيح، لا يمنع أن يكون للزلزال تفسيرٌ علمي جيولوجي وتفسير ديني التفسيران يتوافقان ويتكاملان، وهذا الزلزال سببه اضطراب الأرض ومسبب السبب هو الله عز و جل قضية سهلة جداً، إذا قلت إن هنا زلزالاً أصاب قريةً فأهلكها لأنها فاسدة فهذا كلام صحيح و كلام ديني، و إذا قلت إن الزلزال هو اضطراب في القشرة الأرضية وانزياح الطبقات عن بعضها، وتسرب بعض المائع الناري إلى الطبقات العليا، وخروج بركان أيضاً فصحيح. وهذا العلم لا يتناقض مع الدين إطلاقاً بل يلتقيان ويتوافقان.  

     انطلاقاً من هذا الكلام، إذا مرض للإنسان ولد فعليه أن يأخذه إلى الطبيب ويشتري الدواء ويعطيه إياه ثم يتوكل على رب الأرباب اعقلها وتوكل هذا هو الدين، لذلك اطمئنوا لن تكتشف حقيقةٌ علميةٌ حتى نهاية الحياة تناقض ما في القرآن لأن هذا الكلام كلامه وهذا الكون خلقه، ولا يعقل أن يكون في كلامه تناقض أو في كلامه ما يناقض خلقه.  



المصدر: العقيدة الإسلامية - الدرس (11-63) : الإيمان بالله