بحث

الوصول للإيمان بالله بدليل الإتقان في الكون

الوصول للإيمان بالله بدليل الإتقان في الكون

بسم الله الرحمن الرحيم

    ما من صناعة ترونها أنتم إلاّ وفيها تقصير سواء أكانت على مستوى آلات أو على مستوى أقمشة أو صناعات خفيفة أو ثقيلة فلابد من خلل وخطأ وتقصير، ولابد من زيادة، لكنك إذا رأيت شيئاً لم تكتشف فيه ولا غلطة ولا خللاً ولا اضطراباً بل اتقاناً ما بعده إتقان تشعر أنك معجب إعجاباً لا حدود له بصانع هذه الآلة، عندئذ ألا تعتقد أن لهذه الآلة صانعاً فحسب، بل صانعاً من أعلى درجة، مستواه في الصناعة عالٍ جداً، وذوقه رفيع جداً، ودقته في التركيب بالغة جداً، قال تعالى:  

﴿مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ﴾

    مستوى الصنعة من أعلى درجة في الإتقان، فإتقان النملة كإتقان الحوت، وإتقان الذرة كإتقان المجرة، وإتقان العصفور كإتقان الحشرة، ولا ترى في خلق الله عز وجل خلقاً مستوى الإتقان فيه من الدرجة الثانية.  

    أي معملٍ إلا ويقول له: هذه البضاعة من الدرجة الأولى، وهذه نخب ثانٍ، وهذه بضاعة تجارية، وما من صناعة إلا ولها درجات، أما الله سبحانه وتعالى كل شيء خلقه في الكون وفي الأفلاك وفي المجرات وفي الكواكب وفي الأقمار وفي الأرض وفي باطن الأرض والذي على سطح الأرض، وفي عالم الأسماك والأطيار والحيوانات والنباتات والإنسان والجن والملائكة كل خلق الله عز وجل درجة الإتقان فيه أعلى درجة وكل هذه المخلوقات من مستوى واحد من حيث الإتقان.  

    خلق الإنسان، هذه القناة الدمعية من الدقة بحيث يصعب تصورها، ومع ذلك تُصرف فائض الدمع إلى الأنف، الأنف بحاجة إلى رطوبة دائمة لأن الأنف عبارة عن سطوح متداخلة محاطة بطبقة لزجة تحتاج إلى ترطيب دائم من أجل أن تصطاد الأجسام الغريبة العالقة في الهواء، وأعلى جهاز تصفية في الأنف سطوح متداخلة مطلية بمادة مخاطية مرطبة بدمع العين، فيها أشعار وشرايين وهذه المنطقة ذات عضلات بحيث تتوسع إذا بردت، فإذا برد الطقس ترى الأنف أحمر قانياً بدليل توسع الشرايين من أجل رفع درجة الحرارة، ومن أجل أن تأخذ الهواء من هنا بحرارة تعادل الصفر ويصل إلى أول القصبتين بحرارة تساوي 38 درجة بمسافة قصيرة، أرقى جهاز تسخين.  

    هذا الدماغ، إتقانه إلى أقصى الحدود أي أربعة عشر مليار خلية سمراء للمحاكمة والتخيّل والتصور والذاكرة ومركز للسمع وآخر للبصر وثالث للحركة ورابع للتوازن عالم قائم بذاته، وهناك عمى يصيب دماغ الإنسان والعين سليمة مئة في المئة، لكن مركز الرؤية في الدماغ يتعطل، أربعة عشر مليار خلية سمراء في الدماغ تستند إلى مئة وأربعين مليار خلية استنادية لم تُعرف وظيفتها حتى الآن، والشيء المدهش أن خلايا الدماغ بل أن الخلايا القشرية في الدماغ مستعصية على مرض السرطان لم يسجل الطب حتى الآن حالة ورم خبيث في هذه المنطقة، لأن هذه المنطقة منطقة المحاكمة والتفكّر، فربنا سبحانه وتعالى كرّمها وشرّفها وحصّنها، وهذا الدماغ حساس إلى درجة قصوى لابد من أن يُحاط بسائل، وهذا السائل يقيه الصدمات، فأية صدمة تصيبه توزع على مُجمل مساحته، من جعل هذا الترتيب؟ ومن جعل هذه الرقبة تدور 170 درجة؟ ومن جعل هذا الدماغ في هذه الحجرة المحصنة؟ ومن جعل هذه الحجرة ذات مفاصل مكسّرة ثابتة؟ لو أن هناك صدمة عنيفة أصابت الدماغ فهناك مجال لتداخل هذه السطوح أقل من ميلي واحد، وهذا المجال يمتص الصدمة، قال تعالى:  

﴿ صنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ﴾

    ومن جعل هذه العين وفيها هذه الأعصاب مئة وثلاثين مليار عصّية ومخروط في شبكية العين؟ ومن جعل شبكية العين تتحسس بالخيالات التي تقع قبلها فترسل إلى الدماغ أمراً إشعاراً بذلك؟ الدماغ يرسل أمراً إلى الجسم البلوري بالضغط حتى يقع الخيال على الشبكية من أجل أن تكون الرؤية صحيحة، فإذا وقع الخيال خلف الشبكية أعطت أمراً إشعاراً آخر للدماغ بحيث يأمر الجسم البلوري بالتطاول كي يقع الخيال على الشبكية، من أتقن هذا الصنع؟ الله سبحانه وتعالى.  

    من جعل هذا اللسان جهازاً للذوق وجهازاً للنطق والهضم؟  

﴿ صنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شيْءٍ ﴾

    ومن جعل هذا المفصل في هذا المكان بالذات؟ من جعل هذا المفصل إنسياً وجعل مفصل الركبة وحشياً؟ من جعل هذه العظام الثمانية بحيث تتحرك اليد في كل الاتجاهات؟ ومن جعل هذا الجلد مخططاً كي تمسك به كل شيء؟ من جعل هذه الأظافر؟ ومن ألغى أعصاب الحس منها كي تقصها في البيت من دون مستشفى ومن دون عملية جراحية ومن دون تخدير؟ من جعل في الأسنان أعصاباً حسيّة بحيث لو أن نخراً أصاب بعض الأسنان لا تنام الليل من أجل أن تبادر إلى معالجته، وإلا يظل النخر قائماً فيه إلى أن تأكله مع الطعام وتفقد أسنانك كلها؟ ومن جعل هذا الجلد؟ وهذه العضلات؟  

﴿ صنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شيْءٍ ﴾

    هذا النخاع الشوكي خطير جداً أودعه الله داخل العمود الفقري، وهذا الرحم خطير جداً أودعه الله داخل الحوض، وهذا القلب خطير جداً أودعه الله داخل القفص الصدري، ومعامل الكريات الحمر خطيرة جداً أودعها الله داخل العظم في نقي العظام.  

﴿ صنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شيْءٍ ﴾

    هذا الكبد الذي يقوم بخمسة آلاف وظيفة في أحدث البحوث العلمية من منّا يستطيع مثلاً أن يحوّل المواد الدسمة إلى مواد؟   

    من جعل هذا العظم لو كُسر بعد أن نامت الخلايا وهجعت ثلاثين عاماُ تستيقظ وترمم نفسها بنفسها؟ الله سبحانه وتعالى، هذا خلق الإنسان ومثله خلق الحيوان، هذا الصوص الذي يُخلّق داخل البيضة قبل أن يخرج منها يظهر له نتوء مدبب على منقاره يعينه على كسر البيضة، فإذا كسرها تلاشى هذا النتوء.  

    من جعل الماء إذا تجمد يزداد حجمه لولا هذه الظاهرة لما كنّا نحن الآن ولما بقي على وجه الأرض حياة؟ إنه الإتقان.  

    ترى الهر في المنزل، انظر إلى جماله وإلى عضلاته له شاربان يجعل في مقدمتها قضباناً مائلة تنتهي بضوء في الليل من أجل أخذ مجال مناسب في السير، حتى لو أنّ أحداً واجهه ليلاً يحدد له حجماً مناسباً للتلافي، وهذا الهر يمشي في الظلام ولا يحتاج إلى مشعرات، هذه الشوارب التي له طويلة ليعرف ما أمامه وما على جانبه وما على جانبه الثاني، شاربا الهر آية من آيات الله عز وجل.    

    حدثني أخ كريم يعمل في الزراعة مختصاً بالمراعي قال: إن بعض النباتات الرعوية مركبة على حلزون مفرّغ، فإذا هبت الريح يدور هذا الحلزون في الأرض فينغرس فإذا انغرس أفرغت الثمرة بذورها في هذا الحلزون فنزلت هذه البذور إلى باطن الأرض، أي زراعة إلهية من دون أن تشعر، فهناك بذور طائرة لها أجنحة تنتقل من قارة إلى قارة قال الله:  

﴿ صنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ﴾

    فعالم النبات شيء من العجب العجاب.  

    حدثني أخ نجار يعرف مئة نوع من أنواع الخشب، للنوافذ نوع خاص خلقه الله عز وجل لا يتأثر بالماء والرطوبة والهواء والشمس، فخشب النوافذ من الشوح، وخشب الأثاث من نوع آخر، وخشب أقلام الرصاص والكبريت من نوع ثالث، وخشب الزينة هو الأبيض المعرّق، وخشب الآلات لامتصاص الصدمات، كل نوع يناسب الوظيفة المعينة.  

    السمك جعل الله فيه أنبوباً مفرّغاً من الهواء تحت الحراشف فهذا جهاز الضغط، السمكة تعرف في أية لحظة أين هي من البحر وعلى أي ارتفاع أو على أي عمق فكلما غاصت في أعماق البحر زاد ضغط المياه على هذا الأنبوب، جهاز يشعر بمدى بعدها عن سطح البحر؟ فالسمكة متقنة جداً، فكيف تستطيع هذه السمكة أن تطفو؟ وكيف تستطيع أن تغوص في أعماق البحر؟ إنها تُصنّع الهواء من معدتها وتملأ به أكياساً فتطفو، وتفرِّغ الهواء فتسقط، والغواصة حينما صنعها الإنسان قلّد بها السمكة، من جعل لها هذه الزعانف؟ لها ثلاث وظائف زعنفة أداة توازن، وزعنفة أداة توجيه، وزعانف أدوات دفع كالمحرك تماماً، فهي أداة دفع وتوجيه وتوازن، فإذا تأمل الإنسان السمك، وتأمل الثمار والأشجار يجد إتقاناً ما بعده إتقان.  

    الشيء الذي يجذب النظر أن ربنا عز وجل خلق التفاح 300 نوع وهذا منتهى الإكرام والإتقان، فنوع صغير سكري، وكبير شتوي أحمر اللون، وآخر لونه أصفر، ونوع هش، ونوع صلب، ونوع فيه حموضة قليلة، وآخر يُعمّر طويلاً فهي أنواع منوّعة قال الله:  

﴿ما تَرَى فِي خلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفَاوُتٍ﴾

    ليس هناك صنعة فحسب بل هناك صنعة متقنة إلى أعلى درجة في الإتقان، هذا الإتقان دليل وجود الله عز وجل ودليل أسمائه الحسنى، فعقولنا ترفض رفضاً قطعياً أن يكون هذا الإتقان بلا إلهٍ عظيم عالمٍ حكيم خبير عليم قدير رحيم متقنٍ.قال تعالى:  

﴿ألم نجعل الأرض مهاداً﴾

    فلو أن الأرض كلها  صخرية  نموت من الجوع. فربنا عزّ وجل قال:  

﴿ وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا﴾

    ذكراً وأنثى فلو أن الله خلق كل الناس ذكوراً أول شيء هل نبقى نحن موجودين؟ لا نجد أنفسنا إذ لا وجود لنا فينتهي النوع البشري، جهاز التناسل يسمونه جهاز حفظ بقاء النوع فلولا التزاوج لما بقي الإنسان.    بل لو جعل المرأة غير محببة، لولا هذا الميل الطبيعي لما تزوج أحد ولأصبح الزواج عبئاً، ولولا هذا الشيء الذي جعله الله في قلب الرجل ولولا هذا الميل الطبيعي الذي وضعه الله في قلب الرجل ما تزوّج إنسان، قال الله:  

﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ ﴾

    قال الله تعالى:  

﴿ وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا ﴾

    من الذي جعل النوم ؟ يقول لك: تعبت اشتغلت طيلة 12 ساعة، نمت ثماني ساعات فاستيقظت مثل الحصان صحيح، هذه الأعصاب وهذه الخلية العصبية عبارة عن نواة واستطالة تتصل باستطالة أخرى وهكذا، فالخلايا العصبية عند النوم تتباعد فالسيالة العصبية الكهربائية إذا سارت تجد الطريق مقطوعاً وهذا هو النوم، فالله جعلَ ترتيباً رائعاً جداً، أما لوكان المنبه قوياً جداً إذا واجه إنسان ساقية لا يمكنه قطعها، أما لو يتبعه عدو يريد النجاة منه يقطعها بسبب الخوف الشديد، هذا الصوت إن كان مزعجاً جداً عندئذٍ هذه السيالة تقفز من خلية لأخرى فيصحو الإنسان، يستيقظ الإنسان على الصوت القوي ولو أنه قد نام الآن، اليقظة هي عملية اقتراب هذه الأعصاب وتباعدها النوم قال الله:  

﴿وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا * وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا﴾

    ستراً  

﴿وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا﴾

    للعمل.  

﴿وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا ﴾

    سبع سماوات طباق.  

﴿وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا ﴾

    يا أخي بردنا، فهل تعلم ما معنى البرد؟ البرد المطلق 350 تحت الصفر، فلولم يكن هناك شمس لكانت الحرارة 350 تحت الصفر، فإذا كانت الحرارة صفراً فمعنى ذلك أن هناك شمساً، فلولاها لكانت 350 درجة تحت الصفر.   

     قال الله تعالى:

﴿ قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ* مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ * مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ ﴾

    من حيوان منوي واحد من ثلاثمئة مليون حيوان باللقاء الزوجي، هذا الحيوان له رأس مدبب وله عنق وله ذيل حلزوني يمشي بالساعة 10 سم، هذا الرأس المدبب فيه مادة برأس الرأس مغطاة بغشاء رقيق جداً إذا لامس هذا الحيوان البويضة يتمزق الغشاء، وتخرج هذه المادة من رأسه فتزيل جدار البويضة ليُسمح له بالدخول، ومجرد أن دخل الحيوان يغلق الباب وانتهى الأمر، ثلاثمائة مليون لم يعد له عمل، البويضة تحتاج إلى حيوان منوي واحد، الآن تنقسم البيضة الملقحة حوالي عشرة آلاف قسم في طريقها من المبيض إلى الرحم، أما الحكمة البالغة في الإتقان أنه لو    أن هذا الانقسام يرافقه زيادة في الحجم لعلقت في الطريق لأن الطريق بين البويضة وبين الرحم عبارة عن حبل، هذه البويضة الملقحة إذ ا زادت عن حجمها لوقفت في الطريق وسد ته.  أنت وشهاداتك وذكاؤك ومؤلفاتك ومكانتك الاجتماعية وأعصابك ودماغك وعضلاتك وأجهزتك والغدة النخامية والغدة الدرقية والقلب والشرايين والدسامات والدماغ من أي شيء خلقه ؟  ﴿مِنْ نطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ ﴾

﴿ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ﴾

    لوكان عظم الحوض أضيق من حجم الرأس ماذا تفعل؟ لوكان حجم الرأس بحجم الكتفين ماذا تفعل؟ لاحظ الطفل حجم رأسه بعرض كتفيه تماماً، تصميم خاص للخروج وبعد الخروج تعرض أكتافه، ولوكان رأس كبير وأكتاف عريضة كيف الخروج؟ " ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ " من جعل المرأة تفرز مادة هرمونية تحرك عظم الحوض فيتوسع ويأخذ وضعه الخاص أثناء الولادة من يحرك ذلك الهرمون؟ من الذي أعطى الأمر قبل ساعتين ليقلب الطفل؟ يكون وضعه رأسه نحو الأعلى فيأتي أمر هرموني ليقلب الطفل فيصبح رأسه نحو الأسفل، وإذا لم يقلب فالعملية أصبحت قيصرية فمن الذي جعله يقلب؟ الآن دور الرحم يفعل تقلصات مع ألم ولولم يكن ألم والله بالطريق ولدت، فآلام المخاض ضرورية جداً من أجل الولادة، والرحم أقوى عضلة في النوع البشري، فلو أن الطريق أمام الطفل مفتوح لقُذف الطفل اثني عشر متراً تقلصات متزامنة لطيفة إلى أن يخرج الطفل، وإذا بالرحم يتقلص تقلصاً مفاجئاً ويصبح كالصخر تماماً لماذا؟ لأن ما يقرب من مئة ألف شريان تتقطع بمثل هذه العملية، ولو أنه يظل مرخياً تموت المرأة بالنزيف.  ﴿ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ ﴾

     قال تعالى:  

﴿ فَلْيَنْظُرْ الإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ ﴾

﴿أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صبًّا ﴾

    الأمطار.  

﴿ ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شقّاً ﴾

    الأرض شُقت فخرج منها النبات قال الله:  

﴿ فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا﴾

    المحاصيل.  

﴿وَعِنَبًا وَقَضْبًا ﴾

    فواكه.  

﴿ وَزَيْتُونًا وَنَخْلا * وَحَدَائِقَ غُلْبًا ﴾

    الأزهار   

﴿ وَفَاكِهَةً وَأَبًّا ﴾

    قال لي أحدهم: كيف أن القمح مادة أساسية جداً في حياة الإنسان كذلك ساق القمح " التبن " مادة أساسية جداً لعلف الحيوان أي علاقتنا بالقمح كعلاقة الحيوان بالتبن تماماً .  

﴿مَتَاعًا لَكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ ﴾

     قال تعالى:

﴿ تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُنِيراً﴾

    هذه الشمس علّقها الله لك ساعة يدب عقربها إلى قيام الساعة، علّقها الله لك مناراً وعلّقها الله لك مدفأة، ول وأتيت بمدفأة للبيت كله ترى نفسك هل هذه تكفي؟ ما رأيك في مدفأة للأرض كلها فالشمس مدفأة كونية! وهل يُمكن أن تأتي ببلورة واحدة للبيت كله؟ فالله جعل الشمس مصباحاً للأرض كلها، مدفأة ومصباحاً وساعة وجهاز تعقيم لكل الأرض قال الله:  

﴿تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا ﴾

    و قال تعالى:

﴿وَهُو الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَو أَرَادَ شُكُوراً ﴾

    الليل قصير ثم طويل والليل مظلم والنهار مشرق والليل ساكن والنهار فيه ضجيج متفاوتان لمن أراد أن يذّكر أو أراد شكوراً، هذه الآيات التي ذكرتها قليلة فماذا أقول؟ لو بقينا بالإنسان وبالنبات لا ننتهي، وخلايا الأوراق النباتية تتقارب في الصيف لتمنع التبخر وتتباعد في الشتاء، في عصر الجفاف تحافظ الورقة على اخضرارها وعلى مائها عن طريق تقارب الخلايا، وفي الشتاء رطوبة وافرة تتباعد من أجل التجديد هل تعلم ذلك؟ أي حفظتَ شيئاً وغابت عنك أشياء، وأردت من هذه الآيات أن أجعلها حصراً بل أجعلها أمثلة للتفكير والواحد منّا يُفكر، ولا يتمتع الإنسان كما تتمتع البهائم، والذين كفروا يتمتعون كما قال عزّ وجل:  

﴿إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ﴾

    أما الإنسان فإنه يفكر في كل شيء.  

    فالنحل: هناك نحلة للحراسة لا تسمح لنحلة أخرى بالدخول من دون كلمة السر وإلا قتلت، لذلك لوكان مليون نحلة بالربيع لا يمكن أن تذهب نحلة إلى غير خليتها نظام بديع، ونحلات عاملات مهمتهن تنظيف الخلية فكل شيء غريب تأخذه وتلقيه خارج الخلية، أما لو دخلت فأرة مثلاً لا يمكنهم حملها تفرز عليها مادة شمعية لتمنع تفسخها، وهذا عمل النحلات المنظفات، ونحلات حارسات، ونحلات للتهوية يغلقن الأبواب أثناء البرد، ويهوين بأجنحتهن أثناء الحر، ونحلات لصناعة خلايا العسل، والنحلة الملكة تكون حاملاً، وهناك مجموعة أماكن للوضع، تدخل لهذا المكان فتضع ملكة ثانية، وهُنا تضع ذكراً وهنا تضع عاملة، وتعرف الملكة الحامل سلفاً نوع الجنين، والآن إذا أحضرنا واحدة وقمنا بتدريسها في الطب النسائي والولادة بالذات، وأتاها زوج وحملت وعلى مشارف الولادة هل تعلم هذه الدكتورة ماذا في بطنِها ؟ إنها دكتورة لا تعرف، أمّا هذه الملكة فتعرف نوع المولود وتضعه في مكانه المناسب، وكل نقطة من الرحيق مأخوذة من ألف ومئة زهرة، وكل مئة غرام من الرحيق مأخوذة من مليون زهرة، وكيلو العسل الواحد هو محصلة طيران أربعمئة ألف كيلومتر، أي حول الأرض عشر مرات فكيلو العسل ليس غالياً على هذا الجهد المبذول، وهذا ليسَ ثمنه بل هذا ثمن العناية بالنحلات فقط، النحلة تحمل رحيقاً ثلثي وزنها أما الشاحنة فما وزنها؟ ثلثي وزنها حمولة هذه واحدة، سرعتها خمسة وستون كيلومتراً في الساعة هذه النحلة مثل السيارة وهي فارغة، أمّا مُحمّلة فسرعتها خمسة وثلاثون، تعمل النحلة رقصة تُعلم النحلات إن كان المكان بعيداً، أما إذا كان قريباً في رقصة على بُعد خمسة كيلومترات، وفي رقصة عشرين كيلومتر تقوم بتنبيهها أنَّ الرحلة طويلة وهذا رقص النحل، فعند النحلة نظام تعجز عنه المجتمعات البشرية المتقدمة، إبرة الملكة لا تلدغُ بها إنساناً إطلاقاً لكنها تلدغُ ملكة أخرى نافستها على قيادة هذه الخلية نظام من العجب العجاب، يوجد نحلات مهمتهن تقديم الغذاء للملكة، تأخذ غبار الطلع وتقوم بعجنهِ برحيق الأزهار وتقدمه وجبات غذائية دسمة جداً للملكة، وهو طعام خاص ما هذا ؟  

﴿ صنْعَ اللَّه الَّذِي أَتْقَن َكُلّ َشيْءٍ ﴾

    عالم النِمل والحشرات والجراثيم كلها فيها أشياء عجيبة، وأعماق البحار فيه كائنات لا يعلمُها إلا الله، مليون نوع من السمك في البحر، وعالم الأطيار هذا الطير يقطع سبعة عشر ألف كيلومتر رحلته فهناك طيور تُهاجر من أمريكا الشمالية إلى أمريكا الجنوبية تقطع هذه المسافة، تطير ستاً وثمانين ساعة طيراناً من دون توقف، أحضر لي أعظم طائرة في العالم هل تطير هذه المدة من دون توقف؟    
    الحمام بحثه طويل جداً وقد جعلت عنه خطبة في جامع الجسر إنه يأخذ بالألباب قال الله:  

﴿ صنْعَ اللَّه الَّذِي أَتْقَن َكُلّ َشيْءٍ ﴾



المصدر: العقيدة الإسلامية - الدرس (16-63) : الوصول للإيمان بالله : دليل الإتقان في الكون