بحث

الوصول للإيمان بالله بدليل التغير والسببية

الوصول للإيمان بالله بدليل التغير والسببية

بسم الله الرحمن الرحيم

    من الأدلة على وجود الله  دليل التغير والسببية وأبسط شيء تلاحظونه هذه البقرة تأكل الحشيش فنأخذ منها الحليب بشكل أو بآخر، وهذا الحشيش الأخضر تحول في بطنها أو تغيّرَ إلى حليب، وهذه الدجاجة تأكل كل شيء تعطينا بيضاً ذا نسبة عالية من الغذاء، قال بعضهم: الكون كله يحق لنا أن نسميه عالم المتغيرات وكل شيء فيه يتغير فهناك تغيرات مستمرة في المواد الكيماوية، وهناك تغيرات مستمرة في الصفات الفيزيائية، وهناك تغيرات مستمرة في البذور، والبذور تصبح أشجاراً، والأشجار تصبح هشيماً، والهشيم يتحلل إلى عناصره الكيميائية والفيزيائية، فهناك حركة دائبة في الكون، كل جرم في الفضاء يتغير من مكان إلى مكان يسير وفق فلك، وهناك حركة في الذرات، وحركة في المجرات، وحركة في عالم الفيزياء، وحركة في عالم الكيمياء، وفي عالم النبات والحيوان، وفي عالم الأرض، وحركة دائبة في البحار، وحركة دائبة في الرياح، وحركة دائبة في الأمطار وتغيرات مستمرة في كل شيء خلقه الله سبحانه وتعالى.  

     الصوت يتغير ويصبح كهرباء، والكهرباء تصبح أمواجاً في الفضاء الخارجي، والأمواج تنقلب إلى صوت في أجهزة الاستقبال، والصورة تصبح كهرباء، والكهرباء تصبح موجات ثم تُستقبل في جهاز الرائي، والماء يتبخر ويصبح سحاباً فيُعصر فينقلب إلى ماء، كان ملحاً أجاجاً فصار عذباً فراتاً.  

     هذا الكأس إذا نقلته من هذا المكان إلى هذا المكان هذا تغيّر، هذا أبسط أنواع التغير نقل الشيء من مكان إلى مكان. الطفل يكون نقطة من ماء مهين، ذرة، حيوان منوي دخل في بويضة يتغير وينقسم إلى آلاف المرات وهو في طريقه إلى الرحم، وبالرحم تظهر وريقات وريقة باطنية " الأحشاء "، ووريقة خارجية " الدماغ "، ثم يتشكل هذا الطفل شيئاً فشيئاً إلى أن يصبح كائناً ذا سمع وبصر ودماغ وأعصاب وعضلات ومعدة وأمعاء وكبد ورئتين وكليتين وعظام ثم يكبر ثم يشيخ ثم يموت، كيف كان تراباً في الأصل؟ وكيف تحول الغذاء إلى دم والدم إلى مضغ، والمضغ تحولت إلى كائن حي، والكائن نما ثم شاخ ثم مات ثم تحلل إلى تراب؟ هل هناك من يعترض على هذا؟ كل ما في الكون يتغير من حال إلى حال، لكن هناك تغييرات بسيطة، وهناك تغييرات بالغة التعقيد، هذا الكأس من هذا المكان إلى هذا المكان هذا أبسط أنواع التغيير.  

     تحول الحشيش إلى حليب، لو اجتمع الناس جميعاً واجتمعت معامل الأرض، واجتمع علماؤها على تحويل قطعة حشيش إلى كأس حليب هذا فوق طاقتهم، ولو اجتمع علماء الأرض على تحويل حفنة من القذر إلى بيضة هذا شيء فوق التصور، ولو اجتمع علماء الأرض على تحويل هذا الطعام إلى دم والدم إلى نطفة والنطفة إلى كائن هذا شيء مستحيل، فنحن في تغير دائم.  

     لو أن إنساناً معه 1000 ليرة ذهبية واضعهم في صندوق، فجاء مرة وفتح الصندوق الداخلي لم يجد هذه النقود بحث، ودقق، وسأل، واستطلع، وكان مرة عند صديق له تاجر أيضاً فتح هذا الصديق صندوقه فإذا هو بهذه النقود داخل صندوقه، فادعى للقاضي أن هذا الرجل قد أخذ مالي، فقال هذا الرجل: يا سيدي القاضي إن هذه النقود رأيتها تمشي وحدها إلى أن دخلت إلى دكاني فتحت لها باب الصندوق فدخلت ثم أغلقت، إذا أردت أن تصدق أن هذا الكأس تحرك من هذا المكان إلى هذا المكان من دون مغير ومن دون سبب فمن يصدق أن هذه النقود من الذهب انتقلت وحدها ؟ ومن الذي فتح لها الباب الخارجي؟ هل فتح من تلقاء ذاته؟ كيف انتقلت؟ من حركها؟ من دفعها؟ ومن ساقها إلى هذه الدكان؟ ومن فتح لها باب الدكان؟ كل شيء لابد له من مُغير.  

     الشمس كانت تشرق من هذا المكان فانحرفت زاويتها إلى هذا المكان هناك تغيير، في الأرض كان النهار طويلاً في الصيف فصار قصيراً، وكانت الشمس في الصيف عمودية فصارت مائلة، وكان القمر بدراً فصار هلالاً، وكان الماء ملحاً أجاجاً فصار عذباً فراتاً، وكان الماء في البحر فصار في السحب ثم أصبح في الأرض ثم دخل إلى جوف الأرض ثم أصبح ينابيع وأنهاراً عالم من المتغيرات، هذه التفاحة التي تأكلها من أين جاءت؟  

     فهذا التبدل والتغير والتحول والتطور لابد له من مغير ومحوّل ومن مطوّر، أما أن يحدث الشيء بلا سبب فهذا من المستحيلات.  

     لو أن أحدنا أراد أن يمضي أسبوعاً في أحد الأماكن الجميلة في الصيف، فأغلق بابه وأغلق النوافذ، وأخذ الاحتياطات اللازمة وذهب إلى نزهته، وبعد أن عاد رأى مصباح الكهرباء متألقاً قبل أن يدخل البيت لماذا يصفر لونه؟ ولماذا ترتعد فرائصه، ولم يقول لقد سُرقنا؟ ماذا رأى؟ رأى ضوءاً مشتعلاً قد تقول له زوجته الساذجة: لماذا أنت مضطرب؟ يقول لها: انظري الضوء متألقاً، فتقول له: أطفئه، لأن عقله على مبدأ السببية لابد من شخص دخل إلى المنزل، ولابد لهذا الشخص من أنه وصل الكهرباء وتألق هذا المصباح فهذا أثر من آثار وصل الكهرباء دخول رجل إلى هذا البيت هذا مبدأ السببية، أنت لا يمكن أن تفهم شيئاً من دون أن له يكون سبب، ولا يعقل أن تفهم شيئاً بلا سبب.  

     الإمام أبو حنيفة طُلب منه أن يجتمع مع بعض الملاحدة في عصره فكان الاجتماع على ضفة من ضفاف دجلة في بغداد أوفي البصرة، فتأخر عن حضوره في الموعد فلما سألوه عن سبب التأخر قال: لم أجد قارباً أركبه انتظرت ساعة فإذا بعض الأشجار تصبح منبطحة ثم تشق فإذا هي ألواح، هذه الألواح تراكمت على بعضها حتى أصبحت زورقاً فركبت فيه ووصلت إليكم فقالوا: أتهزأ بنا يا إمام، قال: اهزؤوا من أنفسكم لم تقبلوا قارباً صنع وحده بلا سبب.  

     إذاً: مبدأ السببية أن كل متغير لا بد له من مغير، وكل متحول لابد له من محول، وكل متحول يحتاج إلى محرك هذا هو مبدأ السببية، لا شيء يكون من تلقاء ذاته، والأرض وما تحويه والسماء وما تخفيه والبحار وما فيها وجو الأرض وما فيها، فيها أشياء متحولة ومتغيرة ومتبدلة بشكل مستمر:  

﴿إِنَّ رَبَّكَ هُو الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ﴾

     لنأخذ أبسط هذه التغييرات نقل هذا الكأس من هذا المكان إلى هذا المكان، انعدم وجوده بعد أن كان، وحدث وجوده بعد عدمه لابد له من محدث، شيئاً انعدم لابد له من مغير أعدمه، فهذا هو السبب الداعي إلى الإيمان بوجود الخالق، فالنطفة في رحم المرأة كيف أصبحت عظاماً؟ فكسونا العظام لحماً ثم كسونا اللحم جلداً ونبت من الجلد أشعار، وفي كل شعرة غدة دهنية وغدة صبغية وعضلة وشريان ووريد وعصب، هذه أشعار الرأس والعضلات عضلات مبسطة، وعضلات مخططة ملساء، وعضلات إرادية، وعضلات لا إرادية، والشرايين: شرايين داخلية وأوردة خارجية، وشرايين حمراء وأوردة زرقاء، وهناك دسامات وشرايين الأرجل لها دسامات لِئلا يعود الدم بفعل الجاذبية إلى الأسفل، والدوالي هي ارتخاء هذه الدسامات، فإذا ارتخت هذه الدسامات يُصاب الإنسان بِقصر في رجليه، والقلب وتجاويفه والرئتين والأمعاء والمعدة والبنكرياس والصفراء والكبد والكظر والنخامية والدرقية، هذه الغدد التي تأخذ بالألباب، والكبد له من أحدث بحث 5000 وظيفة كلها متغيرات، كيف أخذت الصفراء مادتها من الدم؟ وكيف تحول هذا الغذاء إلى دم؟ والدم أعطى البنكرياس وأعطى الصفراء وأعطى الدرقية وأعطى النخامية وأعطى الكظر كيف يعطي؟ يعطي كل غدة ما تحتاج، فهذه المتغيرات لابد لها من مغيّر.  

     اترك الإسمنت والحديد والبلاط وكل مواد البناء اتركها سنة هل تصبح بيتاً؟ هذا التفسير السليم، وهذا الواقع لا شيء يحدث بلا شيء هذا هو مبدأ السببية، هذا التغير يحتاج إلى سبب، وهذا إلى سبب، وهذا إلى سبب، لو مثلّنا التغيرات على شكل أمواج فكل صعود يحتاج سبباً وكل هبوط يحتاج سبباً إلى أن تصل إلى سبب أولي واجب الوجود هو الله سبحانه وتعالى، هو مسبب الأسباب.  

     من المسلّم به أن كل هذه التغييرات الكونية لابد لها قطعاً من سبب حقيقي، وهذا السبب الحقيقي كامل القدرة بأنَّ في هذه التغييرات قدرة لا توصف، فتحريك الأرض كم تحتاج؟ تحريك سيارة وزنها 500 كغ يقول لك: تعمل 300 كم بالتنكة، إذا كانت 1.5 طناً يقول لك: 100 بالتنكة، الطائرة ليست دفعاً إنما حملاً وزنها 150 طناً وهي فارغة، ووزن وقودها 150 طناً تصور أن السيارة وزن وقودها بقدر وزنها؟ مستحيل لأن الوقود يدفعها دفعاً لكن الوقود في الطائرة يحملها حملاً ويدفعها هذه أرقام دقيقة، تستهلك في رحلة طويلة من دمشق إلى أمريكا بقدر وزنها وقوداً هذا هو التحريك، التحريك لابُدَّ له من طاقة لذلك وجب أن يكون المغير كامل القدرة.  

     فهذه الأرض كم وزنها؟ هذه الكرة الأرضية كم حجمها، وكم وزنها، من يحركها من مكان لآخر؟ كم مرة تحركت؟ إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا، كل كوكب يسير على مساره الطبيعي دون أن يحيد عنه هذا دليل أن كل تغيير لابد له من مغير، والمسبب الأول لكل هذه الأسباب هو الله سبحانه وتعالى واجب الوجود، فإن من المُسلّم به أن كل هذه التغييرات الكونية لابد لها من سبب حقيقي كامل القدرة صدرت عنه هذه القوى الكونية الكبرى وتمت بخلقه هذه التغييرات الكونية الهائلة والحوادث العجيبة، وهو كامل الحياة أيضاً دبت عنه صورة الحياة في الأجساد الحية وكامل العلم صدرت عنه العقول القابلة للعلم، وكامل الحكمة صدر عنه كل أمر متقن محكم إلى غير ذلك من صفات الكمال الإلهية، يوجد بهذه التغييرات حكمة إذاً هو كامل الحكمة، ويوجد قدرة إذاً هو كامل القدرة، ويوجد لطف إذا هو كامل اللطف، فأي صفة تكشفها في خلق الله منبعها من ذات الله.  

     قال الله تعالى:  

﴿وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجاً وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ ﴾

     وقال تعالى:  

﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ * يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ﴾

     وقال تعالى:  

﴿وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾

     هذه الآيات وغيرها جاءت دليلاً على سبب التغير والسببية.  



المصدر: العقيدة الإسلامية - الدرس (15-63) : الوصول للإيمان بالله : دليل التغير والسببية