أيها الأخوة الكرام، نحن في أمس الحاجة إلى معرفة أسماء الله الحسنى، لأنها أصل كبير كبير في الدين، بل هي جزء خطير من ال عقيدة. وحديثنا اليوم عن اسم الله "القدوس".
الذي يعنينا من الأسماء الحسنى موقفك من هذا الاسم، الله "القدوس" هل قدست نفسك؟ هل طهرتها؟ الله "القدوس" هل أقبلت عليه؟ أخذت منه الطهر والنقاء؟
من عرف اسم "القدوس"
- فمن عرف هذا الاسم "القدوس" طهر نفسه عن متابعة الشهوات، طبعاً التي لا ترضي الله، لأنه ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا جعل لها قناة نظيفة تسري خلالها، بالإسلام ما في حرمان، لكن في طهر، وفي عفة، ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا وجعل لها قناة نظيفة تسري خلالها، والذي يؤكد هذه الحقيقة: ﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ ﴾ عند علماء الأصول المعنى المخالف، المعنى العكسي، أي أن الذي يتبع هواه وفق هدى الله لا شيء عليه، اشتهى المرأة فتزوج، لا شيء عليه يبارك الله له بها وبه ، اشتهى المال فعمل عملاً شريفاً، كسب المال الحلال.
- من عرف هذا الاسم "القدوس" طهر نفسه عن متابعة الشهوات، وطهر ماله عن الحرام. وكان هناك عالم جليل بلغ السادسة و التسعين منتصب القامة، حاد البصر، مرهف السمع كان إذا سُئل يا سيدي ما هذه الصحة التي حباك الله إياها ؟! يقول: يا بني ! حفظناها في الصغر فحفظها الله علينا في الكبر، من عاش تقياً، عاش قوياً.
- من عرف اسم "القدوس" طهر نفسه عن متابعة الشهوات، وطهر ماله عن الحرام والشبهات، وطهر وقته عن دنس المخالفات. (( إن الله يحب معالي الأمور وأشرافها ويكره سفسافها )).
- وطهر قلبه عن مسلك الغفلات، وطهر روحه عن فتور المساكنات.
- ومن عرف اسم "القدوس" لا يتذلل لقوي، ولا لغني، لأنه: (( من جلس إلى غني فتضعضع له ذهب ثلثا دينه )).
- ومن عرف اسم "القدوس" لا يبالي فيما فقده، بعدما وجده، لا يبالي فيما وجد من الدنيا بعدما وجد الله. إذا كان الله معك فمن عليك؟ وإذا كان عليك فمن معك؟ ويا رب ماذا وجد من فقدك؟ وماذا فقد من وجدك؟
- من عرف اسم "القدوس" لا يتذلل لقوي ولا لغني، ولا يتضعضع أمامها، لأن شرف المؤمن قيامه بالليل، وعزه استغنائه عن الناس.
- ومن عرف اسم "القدوس" لا يبالي بما فقده بعدما وجده، ولا يرجع قبل الوصول إليه بعدما قصده، تعامل خالق السماوات والأرض، عاهدنا رسول الله على السمع والطاعة في المنشط والمكره، في إقبال الدنيا، وفي إدبارها، في القوة والضعف، في الفقر والغنى، هذا قرار استراتيجي أنك طلبت الله، أقبلت عليه. لذلك قالوا: اتقِ الله باجتناب المحرمات تكن من التوابين، وتورع عن اقتحام الشبهات تكن من المتطهرين، وازهد فيما زاد عن قدر الضرورة تنجو من الحساب الطويل. وأقبل على خدمة مولاك تنال الثواب الجزيل.
اسم الله "القدوس"
- اسم "القدوس" يدل على ذات الله إذاً هو من أسماء الذات، ويدل على صفة القدسية إذاً هو من أسماء الصفات، ويدل التقديس كوصف من أفعال الله عز وجل إذاً هو من أسماء الأفعال، هو من أسماء الذات، ومن أسماء الصفات، ومن أسماء الأفعال، فالله جل جلاله مقدس في ذاته، منزه عن كل نقص وعيب لأنه يتصف بكل أنواع الكمال. وهو يقدس من شاء من خلقه، وفق مراده وحكمته، مرّ معنا سابقاً أن الله ملك مُملك، واليوم الله مُقدّس ومُقدِس، هو مُقدّس قدوس ومُقدِس. لذلك ورد في الحديث: (( إن الله لا يقدس أمة لا يأخذ الضعيف حقه )).
- "القدوس": من تنزهت عن الحاجات ذاته، وتنزهت عن الآفات صفاته.
- و"القدوس" من تقدس عن مكان يحويه، وعن زمان يبليه . نحن نكون في مكان، ومضي الزمان يستهلكنا. سيدنا عمر بن عبد العزيز يقول: الليل والنهار يعملان فيك، فاعمل فيهما. الزمان يبلينا، ومن أدق تعريفات الإنسان أنه بضعة أيام، كلما انقضى يوم انقضى بضع منه، بل ما من يوم ينشق فجره إلا وينادي يا ابن آدم أنا خلق جديد، وعلى عملك شهيد، فتزود مني فإني لا أعود إلى يوم القيامة.
- "القدوس" من تقدس عن مكان يحويه، وعن زمان يبليه، وهو عزيز لا يرقى إلى تصوره وهم، مهما خطر في بالك عن الله، فالله بخلاف ذلك، ولا يطمع في تقديره فهم، لا يعرف الله إلا الله، ولا تنبسط في ملكه يد، لا يليق بألوهية الإله أن يقع في ملكه ما لا يريد. لذلك كل شيء وقع أراده الله، وكل شيء أراده الله وقع، وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة، والحكمة المطلقة متعلقة بالخير المطلق، هذه الكلمات في هذه الصياغة تريح قلب المؤمن حينما يعلم أن كل شيء وقع سمح الله به، لحكمة بالغةٍ بالغةٍ بالغة، عرفها من عرفها، وجهلها من جهلها. وحينما تمضي الأيام تنكشف للمؤمن حكمة أفعال الله عز وجل، لذلك التوحيد ألا ترى مع الله أحداً، التوحيد ألا ترى إلا يد الله تعمل.
- "القدوس" من قدّس نفوس الأبرار عن المعاصي، هو قدوس، ويقدس المؤمنين، أي يطهرهم، "القدوس" من قدّس نفوس الأبرار عن المعاصي، وأخذ الأشرار بالنواصي. أي إنسان لا يدخل حساب الله في حساباته يعد من أغبى الأغبياء، لأن الإنسان في قبضة الله، وفي ثانية واحدة يكون في حال، ويصبح في حال. ﴿ إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ ﴾.
- "القدوس" من قدّس قلوب أوليائه عن السكون إلى المألوفات، ملايين مملينة جاءت الحياة، كبرت، تزوجت، أنجبت، وماتت، ولم تفعل شيئاً، رقم سهل، ملايين مملينة، كن رقماً صعباً، أتى الله بك إلى الدنيا لتكون شيئاً مذكوراً. حب التفوق. (( إِن الله وِتْر يُحِبُّ الوِتْرَ )) كن متميزاً، كن متفوقاً، كن طموحاً، كن رقماً صعباً، أدِ لأمتك شيئاً، احمل هم أمتك، اخرج من ذاتك، "القدوس" من قدس قلوب أوليائه عن السكون إلى المألوفات يعني أكلنا، وشربنا، ونمنا، وسهرنا، وألقينا بعض الطرف، وهكذا كل يوم ما في هم ، ولا في رسالة، ولا في هدف، ولا يعرف الإنسان لماذا خلقه الله، يقول لك: عما ندفش هذا قوله العوام، معك رسالة، أنت مخلوق لمعرفة الله، علة وجودك أن تعبد الله. ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ والعبادة طاعة طوعية، ممزوجة بمحبة قلبية، أساسها معرفة يقينية، تفضي إلى سعادة أبدية.
- "القدوس" من قدّس قلوب العابدين عن دنس المخالفات، واتباع الشهوات، من الأدعية المأثورة: " اللهم لا تقطعنا عنك بقواطع الذنوب، ولا تحجبنا بقبائح العيوب ". العيب القبيح يقطع عن الله، والذنب يحجب عن الله.
- "القدوس" من قدّس قلوب الزاهدين عن حبّ الدنيا. أيها الأخوة، الشيطان يوسوس للإنسان أن يكفر، فإذا رآه على إيمان وسوس له أن يشرك، فإذا رآه على توحيد وسوس له أن يرتكب الكبيرة، فإذا رآه على طاعة وسوس له بالصغائر، فإذا رآه على ورع بقي معه ورقتان رابحتان، الأولى بالتحريش بين المؤمنين هذه الخصومات، وهذا الحسد، وتراشق التهم بين المؤمنين، هذه ورقة رابحة بيد الشيطان فإن لم يفلح بقيت معه ورقة رابحة أخيرة، أن يغريه بالمباحات، يصرف وقته في تزيين حياته إلى درجة غير معقولة، ثم يفاجأ بالموت، آخر ورقة رابحة بيد الشيطان أن يغريك بعمل لم تخلق له.
- "القدوس" من قدّس قلوب العارفين عمن سواه، ﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ﴾.
أيها الأخوة، أنت حينما تقبل على الله يقدس قلبك، وأعظم عطاء تناله من الله أن تلقاه بقلب سليم، والقلب السليم هو القلب الذي لا يشتهي شهوة لا ترضي الله، طوبى لمن وسعته السنة ولم تستهوه البدعة، القلب السليم هو القلب الذي لا يصدق خبراً يتناقض مع وحي الله، القلب السليم هو القلب الذي لا يحكم غير شرع الله، القلب السليم هو القلب الذي لا يعبد إلا الله. لذلك هناك قلب يلامس السماء رفعة، وهناك قلب يلامس الحضيض ضعة، هناك قلب يكبر ويكبر، ولا نرى كبره، فيتضاءل أمامه كل كبير، وهناك قلب يصغر ويصغر ولا نرى صغره فيتعاظم عليه كل حقير، العوام تقول: إنسان كبير، يعني عفو يعني يحب معالي الأمور، يكره سفسافها ودنيها.