الله خالق كل شيء فاعبدوه ، اسم مِن أسماء الله الحسنى وهو اسم الخالق، بادئ ذي بدء يقول الله عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ﴾ الخالق وحده ولا أحد سواه ينبغي أن تعبده فإذا توجه الإنسان إلى غير الخالق فقد ضلَّ سواء السبيل، والخالق وحده هو الذي إذا عبدته سعدت بعبادته، وإذا عبدته نجوت من عذابه، وإذا عبدته أفلحت في حياتك وفُزت بعد مماتك، ودخلت الجنة وسعدت فيها إلى الأبد.
قال الله تعالى: ﴿هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ﴾ فالخالق هو المُقدر، والبارئ هو الذي يوجد من عدم، والمصور هو الذي يعطي الصورة المناسبة لكل مخلوق، فهذا الإنسان خلق بعلم، فالقلب والعظام كلها خلقت علم، وبعد العلم هناك إيجاد، وبعد الإيجاد هناك صورة أعطاها الله هذا المخلوق .
كلمة الخلق، في اللغة جاء بمعنى الإيجاد والإبداع والإخراج من العدم إلى الوجود، قال تعالى: ﴿ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقاً آَخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ﴾ هذه الآية تقتضي كثرة الخالقين، وثَبُتَ بالدلائل العقلية والسمعية أنه لا مُوجِدَ إلا الله تعالى، فوَجَبَ حملُ الخلق في هذه الآية على " التقدير "، أما أنت فتصنع من خشب ومن جلد مقعداً، فتكون قد قدرت كمية الخشب ونوعه وجودته ونوع الجلد ومتانته ولونه ونسَّقت بينهما على شكل كُرسي، فأنت حينما صنعت هذا الكرسي لم توجده من عدم ولكن صنعته من مواد موجودة. ولكن لو ت عمل موازنة، لترَ الأشياء بحجمها الحقيقي، فإذا كنت تريد أن تعمل موازنة بينَ ما يصنعه الإنسان وبين صنعة الواحد الديّان فإنك ترى فرقاً كبيراً، فأنجح طبيب أسنان إذا أراد أن يقلع لطفل سناً فلابد من إبرة تخدير باللثة ويبكي ويشتم الطفل ويتمرد، وأبوه يهدئه أما عندما يقلع الله ضرساً لطفل صغير كيف يقلعه؟ يسقط مع الأكل، فقد ذاب جذر السن شيئاً فشيئاً وانقطع العصب.
هو وحده " الخالق "، قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ﴾ عندما تَحاوَرَ سيدنا إبراهيم مع النُمرود قال إبراهيم: ربي الذي يحيي ويميت، فرد عليه متنطعاً: أنا أحُيي وأميت: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ فكان النمرود الغباء كله، والضلال والضياع والكفر.
وهو “ الخلاّق "، ﴿أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ ﴾ يعني كثير الخلق وعظيم الخلق، إذ ترى مجرة بُعدُها عنّا ستة عشر ألف مليون كيلو متر، وقلب العقرب، يتسع للأرض والشمس مع المسافة بينهما ، فهل من خالق غير الله؟
فالله سبحانه؛ يحتاجه كل شيء في كل شيء فاعبدوه فلنلاحظ أن أمر العبادة يأتي في الأعم الأغلب في القرآن الكريم بعد اسم الخالق.﴿ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ﴾ ﴿خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ﴾.
مما يُطمئن الإنسان أن الذي يخلقه الله عز وجل يبقى رهن أمره، فأنت اطمئن أن كل من حولك وما حولك بيد الله عز وجل. طائرة تُباع من مصنع لدولة ما، فالمصنع لا علاقة له بحركة الطائرة، ها هي ذي تقصف مدينة، وتنقض على قرية ، والمعمل باعها وانتهى أمره ولا علاقة له بها، لكن ربنا عز وجل ما من شيء خلقه إلا وأمرُه بيده، قال سبحانه: ﴿ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾.
جهة واحدة تستحق العبادة، كما أنها تستحق الطاعة، و الحب، والإخلاص وأن تعمل لها، وأن تفني شبابك من أجلِها، وأن تبذل كل عمرك في سبيلها، هي الذات الإلهية، لذلك لما قال ربنا عز وجل: ﴿وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ ﴾ أي هو أهل أن تفني شبابك من أجله، وأن تمضي كل حياتك في خدمته، وأن تنفق مالك في سبيله، وأن تبذل كل ما تملكه في رضاه، وألخصها بكلمة واحدة: تضحية صادقة لكنها مجزية. ولذلك فالإنسان عندما يستهلك نفسه استهلاكاً دنيوياً وينحدر إلى خريف العمر وهو قادم على حياة مجهولة، لا يملك من نقدِها شيئاً وقد أمضى حياته كلها في أشياء لا تنفعه في آخرته، فهو في ضياع؛ فندائي صدى لنداء الله سبحانه: ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ ﴾. الجهة الوحيدة التي تستحق الطاعة والعبادة والإخلاص والحب هي الله. فأقول لكم سِرُّ السعادة أنك تعمل لوجه واحد، فتُرضي جهةً واحدة وتبحث عن خالق عظيم فتصفيه كل نفسك.
أصعب ما في الحياة أن يتبعثر الإنسان بين جهتين، فيكون له رئيسان، وقد ذكر الله عز وجل هذا في كتابه الكريم، فقال ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ ولماذا يشقى بعض الناس في الحياة؟ لأنهم موزّعون بين جهات عديدة، إذ عليه أن يُرضي زوجته، وأن يُرضي أمه، وأن يُرضي من فوقه في العمل، وأن يُرضي فلاناً الذي تهدده، فهو يتبعثر لكنَّ المؤمن يُرضي جهة واحدة وهذه الجهة الواحدة هي القوية وبيدها كل الجهات، ومن هنا قال عليه الصلاة والسلام: ((اعمل لوجه واحد يكفك الوجوه كلها)) فلماذا كان المؤمن سعيداً؟ لأن علاقته مع جهة واحدة، ولا يحتاج معها إلى حلف يمين، لا يحتاج معها إلى إيصال، ولا إلى شاهد، فالله مُطلّع، على ظاهرك وباطنك و حقيقتك ونياتك و مطامحك، وألخص الأمر كله بالعبارة الدقيقة التالية: الإيمان صحة وعافية، والمؤمن تبدو صحته طيبة، والسبب لأنه موحد قال الله تعالى: ﴿فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آَخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ ﴾.
في المعنى المألوف اليوم أن الصانع وحده هو الجهة الوحيدة التي يمكن أن تعطي تعليمات التشغيل، فمثلاً لديك آلة، فما الجهة المخوّلة والوحيدة التي لها الحق أن تُصدر تعليمات التشغيل؟ إنه الصانع، فلو أن آلة ثمينة تملكها واتّبعت في تشغيلها جهةً غير جهة الصانع فقد أفسدتها وأعطبتها وأضعفت مردودها وخسرتها، فببساطة بالغة يقول العقل: لا يعبد إلا الصانع، أي لا يُتبع إلا الصانع، ولا يُطاع إلا الصانع. السؤال المفرود لماذا؟ ألا يعلم من خلق، فهو عليم خبير حكيم يعرف طبيعة هذه النفس، وما يصلحها ويفسدها، وما يسعدها ويشقيها، وما يرفعها ويخفضها، ويطمئنها ويخيفها إنه هو الخبير.