بحث

الله قدَّر الأقدار للخلائق

الله قدَّر الأقدار للخلائق

بسم الله الرحمن الرحيم

      أيها الأخوة المؤمنون، كان موضوعَ الدَّرْس الماضي "خَلَقَ الخَلْقَ بِعلمه"، واليوم نتحدث عن "و قدَّر لهم أقْداراً ".

      أنت ممكن أن تنشئ غرْفَةً، فلو أرَدْتَها أن تكون مرآباً لِسَيَّارَةٍ فلها مواصفات غير بناء الغرفة، وهي أن تكون متناسبة مع المركبة، فلو أنَّها أضْيَق من عرْض المركَبَة، فهذه غير مُقَدَّرة تقْديراً، وكذلك لو أنَّ سَقْفَها منخفض، ولو أنَّك إن دَخَلْتَ إليها لم تتمَكَّن مِن فَتْح الباب لِتَخْرُج فهي غُرْفَةٌ بُنِيَت بناءً صحيحاً إلا أنَّ تقْديرها سيِّئٌ، فالتَّقْدير شيءٌ يخْتَلِف عن الخَلْق.  

      فالإنسان خلقَهُ الله، فلو أراد أن يُنَظِّفَ نفْسَه فإنّ يَدُهُ تَصِل لِكُلِّ أنْحاء جسْمِه، فلو أنَّها كانت قصيرة لَما كان هناك حَلٌّ لِهذا، ولو أنَّ الله تعالى ما خلق هذا المَفْصَل لما أمْكَنَ إلا أنْ يأكل كما تأكل الهِرَّة؛ ينْبَطِحُ، ويلْتَقِط الطَّعام بِفَمِهِ! من الصَّحْن مُباشرةً، كيف تَصِلُ اللُّقْمة إلى الفَم، فالخَلْق شيء، والتَّقْدير شيءٌ آخر.  

      والأشْجار لو أنَّها شامِخَة، ومَلْساء، وارتفاعها ثلاثون متراً لاسْتَحال أن نقْطِفَ ثِمارَها، لكنّ ارْتِفاعُ الأشْجار مَعْقول، ولو أنَّها مع الأرض لكانت غير مَعْقولة فَكُلّ شيء مخلوق بِقَدَر.   

      هل تُصَدِّق لو أنَّ القُدْرة على الرؤْيَة تضاعَفَت لما أمْكنك أن تشْربَ هذا الكأس من الماء! هذا الماء الصافي العَذْب الزُّلال فيه ملايين البكْتيرْيا، فلو أنَّ الله سبحانه وتعالى وسَّعَ القُدْرة على الرؤْية لرأيْتَ الكائِنات الحَيَّة، ولما أمْكنك شرب الماء، فالسَّمْع له عَتَبَة، والبصر له عَتَبَة، وأحْياناً الإنسان إذا أكَلَ شيئاً حامِضاً وشيئاً مالِحاً شعرَ بالحُرْقَة، ولو أنَّ الله عز وجل رفَعَ حساسِيَّة الأعصاب لغَدَتْ حياتنا جحيماً.   

      لذلك يُعَدُّ أكبر دليل على وُجود الله دليل التَّرْجيح، وأوْضَحُ مثلٍ، أن تفتَح مفتاح الكهرباء، أليس بِإمكان الكهربائي أن يضع المفتاح على ارْتِفاعٍ كبير؟! بلى، ولكن هذا غير حكيم، أو في مكان مختلفٍ! إلا أنَّ هذا المفتاح في كلّ البيوت تجدهُ معْتَدِل الارتفاع، وهذا سَمَّاهُ العلماء دليل التَّرْجيح، ولا ترْجيح بلا مُرَجِّح، وكل شيء فيه حِكْمة، أيْ أنَّ وراءهُ عقْلاً حكيماً جعله في هذا المكان، وهذا أحَدُ أكبر الأدِلَّة التي تُؤَيِّد أو تُؤَكِّد وُجود الله عز وجل، ولك أن تستنبط مِن خلْق الإنسان ما لا يُعَدُّ ولا يُحْصى؛ عَتَبة البصر، وعَتَبة السَّمْع، والشمّ، والرؤية، والإحساس، فَكُلّ شيء خلقَهُ الله بِقَدَر دقيق. قال الله تعالى:  

﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ﴾



المصدر: العقيدة - العقيدة الطحاوية - الدرس (14-20) : قدَّر لهم أقْداراً وضرب لهم آجالاً