الواسع مُشتق من السَّعة، والسَّعة تُضاف إلى العِلم إذا اتَّسَع وأحاط بالمعلومات الكثيرة، وتُضاف مرةً أخرى إلى الإحسان وبَسْط النِّعَم.
الواسع هو الذي وَسِع غِناهُ كل فقير، ووسعت رحمته كل شيء.
أحياناً تطلب من إنسان مبلغاً فيقول لك: هذا فوق طاقَتي، إذْ إن دائرة مالِه لا تتَّسِع لهذا الإنفاق. وأحياناً تطلب من إنسان أن يُعينَك فَيَقول لك: هذا أمر لا أقدِر عليه، إنه فوق طاقتي ولا تتَّسِع له سُلطتي ووَجاهتي. وأحياناً تسأله سؤالاً فيقول لك: لا أدري هذا لم يَبْلُغْه عِلمي. فالإنسان محدود في عِلمِه، ومحدود في قدرتِه وماله وجاهِه، وكل إنسان هناك من هو فوقَه.
إلاّ أن الله سبحانه وتعالى هو الواسع فَرَحْمَتُه وسِعت كل شيء وغِناه وسِع كل فقير وإحسانه شمَل كل مخلوق.
﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ﴾
أحياناً يتحدّث إليك شخص فَتَقول لشخص آخر يريد أن يكلمك في أمر ما: انتظر إلى أن ينتهي من حديثه، فلا يتَّسِع إدراكه لِسَماعِ صوتين، ولا أن ينصرِف إلى جِهتين، فهو غير واسِع، أما ربنا عزّ وجل فلا يشغله معلوم عن معلوم ولا شأنٌ عن شأن، لو أنّ كل العِباد دَعَوْهُ في وقتٍ واحدٍ لَسَمِعهم جميعاً.
﴿ إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً﴾
والواسع أفضالُه شامِلة وعطاياه كامِلة؛ فإذا أعطى أدهش، في البحر مليون نوع من السمك، فهناك سمك بِشكل زهور، وسمك شفاف ترى أحشاءه بِداخِله، والآخر أسود فاحِم، وهناك من السمك الذي يلقي سحابة أمامه دِفاعاً عن نفسه، وهناك الذي يلقي تياراً كهربائياً بقوة ستة آلاف فولت، وأنواع الطيور لا تُعد ولا تُحصى.
هذه البصمة يمكن أن نكبِّرها على مستوى متر مربع، ولو عرضنا خمسة عشرة ألف بصمة لا يُمكن أن تتشابه بصمتان، والبصمة تحوي مئة نقطة فلو تشابهت سبع نِقاط لَكانتاَ لإنسان واحدٍ، في كل بصمة جزر وفروع وأغصان وخُلجان ورؤوس.
وهناك الآن بعض الأقفال لا تفتح إلا على قزحيّة العَين نظَراً لأنه ليس في الأرض إنسان واحد يشبِهك في قُزحِيَّة العَين، إذْ ينعدم في الأرض وجود تشابه قُزَحِيتن لإنسان.
فالواسع لا حدود له، وكل أسمائِه لا حدود لها، فالله مُطلق بينما المخلوق محدود.
﴿ وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾
ومن أدب التَّخلّق باسم الواسع: أن يتَّسِع خلُقُك ورحمتُك لجميع عباد الله؛ فقد يكون عطْفك كله لأولادك، وأحياناً لأقرِبائك وتضيق دائرة رحمته عن الغرباء، وتحب أسرتك وعشيرتك وقبيلتك أما المؤمن فكلما ازداد إيمانه تتَّسِع دائرة رحمته لِكل الخلائق.
وفي شهر رمضان يتجلى اسم الواسع حين يسمع دعوات عباده في الأسحار وعند الإفطار، ويتجلى اسم الواسع حين تجلس على مائدة الإفطار فترى نعمه التي لا تعد ولا تحصى.