بحث

الشافي

الشافي

بسم الله الرحمن الرحيم

     لقد خلق الله تعالى الإنسان وأودع فيه الشهوات وأعطاه حرية الاختِيار ووهبه عقلاً، ليكون ميزاناً لحركته في الحياة، وأعطاه ميزاناً مهيمنًا هو الشرع، فأرْسَل الأنبِياء ومعهم الكتُب، ومع كل هذا وضع الإنسان كل شيء وراء ظهره وانطلق بدافع من شهواته بِلا منهج وبلا هدى وبلا كتاب منير فَفَسَد، ومن مُقْتضَيات حياة الإنسان أنّ فساده مُحْتَمَل لِذلك هَيَّأ له شِفاءين، هَيّأ له القرآن الكريم شِفاءً لِنَفْسِه وهيَّأ له الأدوِية شِفاءً لِجِسْمِه.      

     فالله هو الشافي والمُعافي، والإنسان يمرّض حينما يستهين بصحة جسده، وحينما ينْحَرِف في تعامله مع ربه فرَحْمة الله عز وجل تقْتَضي أن يعالجه، لأنه الشافي، قال تعالى:   

﴿ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ﴾

     فالمرض في الأصل ما هو إلا خروج عن منهج الله عز وجل.  

     فهناك أمراض القلب كالضغينة والحِقد والكِبر والكراهِيَة والأَثَرَة والجحود والإجحاف، وأمراض القلب ما هي في الحقيقة إلا أعراض لِمَرَضٍ واحِد ألا وهو الإعراض عن الله تعالى.   

     كذلك هذا الجسم حينما يُخالِف منهج الله عز وجل المُتَمَثِّل بِتوْجيهات النبي عليه الصلاة والسلام في التعامل مع الجِسم يمرَض، وما خلق الله داءً إلا وخلق له دواءً.  

     والشيء الذي ينبغي أن يكون واضِحاً أن أمراض القلب أخطر من أمراض الجِسم لأن أمراض الجسد مهما تفاقَمَت ومهما كانت خطيرةً تنتهي عند الموت، والموت يُنْهي كل ما له علاقة بالجسم، ويُنْهي المرض ويُنْهي الصِّحة ويُنْهي القوة ويُنْهي الضعف ويُنْهي الغِنى ويُنْهي الفقر والوَساَمة والدمامة والذكاء والغباء، يُنْهي كل شيء، إلا أن أمراض النفسِ خطورتُها تبدأ بعد الموت ومن هنا قال الله عز وجل:  ﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ* إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾

     قَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:   

(( لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ فَإِذَا أُصِيبَ دَوَاءُ الدَّاءِ بَرَأَ بِإِذْنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَل))

     فلو سمِع هذا الحديث طبيب ولم يهتدِ إلى تشخيص بعض الأمراض فإنه يتّهم نفسه بالتقصير، فكأن هذا الحديث يدفع العلماء والأطباء والمخترعين إلى البحث عن الدواء، فإذا سمع هذا الحديث أيُّ مريض امتلأ قلبه أمَلاً بالله عز وجل أن يشفيه، فما من داءٍ خلقه الله إلا وخلق له دواء.  

     فإذا وُفِّق الطبيب إلى تشخيص المرض أولاً، ثم وُفِّق إلى اخْتِيار الدواء المناسب ثانِياً، برِئ المريض من دائه ولكن لابُدَّ من أن يأْذَن الله عز وجل.   

     وقد جعل رَبُّنا عز وجل هذا القرآن شِفاءً لِما في الصدور قال تعالى:   

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ  وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾   

     وفي سورة النحل قال تعالى:   

﴿ وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ* ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ  لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾   

     ورمضان شفاء للنفوس حين تحسن صلتها بربها فهو دورة روحية مكثفة، وهو شفاء للأجسام لأنه دورة صحية علاجية وقائية كما يثبت الطب الحديث.  



المصدر: أسماء الله الحسنى وعلاقتها برمضان - المقال : 03 - اسم الله الشافي وعلاقته برمضان