بحث

آيات الله التكوينية والكارثة المالية

آيات الله التكوينية والكارثة المالية

بسم الله الرحمن الرحيم

     أيها الأخوة الكرام، لاشكّ أنكم تستمعون في نشرات الأخبار إلى أخبار الاقتصاد    العالمي، إفلاس البنوك، إفلاس كبار الشركات، انهيار أسعار البورصة من هذا القبيل هل خطر في بالكم أن هذه    الأحداث، وأن هذه الأزمة التي سميت بالإعصار، أن هذا الإعصار المالي الذي    أصاب العالم كله له علاقة بديننا؟        الله عز وجل ماذا يقول :  

﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ ﴾

     والسين كما تعلمون سين الاستقبال، يعني الله عز وجل من حين إلى آخر يُظهر آياته، وآخر هذه الآيات انهيار النظام العالمي الغربي، هذه كلمة قالها مدير البنك الدولي، وهو أكبر مؤسسة نقدية في العالم، قال: لقد انهار النظام المالي الغربي، والأخبار تترا كل يوم يوجد إفلاس شركات عملاقة، شركة السيارات في أمريكا بل إن النظام الاقتصادي قائم على هذه الشركة على وشك الإفلاس، شركات أخرى أفلست، بنوك عمرها يقدر بمئة وخمس وخمسين سنة أفلست، ما الذي حصل؟  ﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ ﴾

     أيها الأخوة، الآيات أنواع ثلاثة، آيات كونية هي خلق الله، الشمس والقمر، والليل والنهار، والمجرات، والسماء والأرض، وآيات تكوينية هي أفعاله، احتراق المتحدي، انهيار النظام المالي الغربي من آياته التكوينية، آياته القرآنية كلامه، فأنت تعرف الله من آياته الكونية:  ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ ﴾. أما آياته التكوينية دقق: ﴿ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ  فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾.وفي آية أخرى قال تعالى: ﴿قُلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ  ثُمَّ     انظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾. فرق كبير بين: ﴿ فَانْظُرُوا ﴾ ، والآية ثانية: ﴿ ثُمَّ انظُرُواْ ﴾ الفاء تعني الترتيب على التعقيب، أما ثم تعني الترتيب على التراخي. هذا النظام المالي عمره يقدر بخمسين عاماً، يتنامى، يتنامى، يتنامى، لكن الله عز وجل قال:  

﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ ﴾

     أيها الأخوة، هناك سلعة وهناك ثمن، هذه ثمنها خمس ليرات، هي سلعة نستخدمها أحياناً في نقل الأوراق، يمكن أن تتاجر بهذه السلعة والتجارة حلال والربح حلال، أما أن تتاجر بثمنها، الثمن لا يتاجر به، يعني لا يمكن للأموال أن تلد المال، ما هو الربا؟ المال يلد المال أما الأعمال تلد المال، إنسان معه مئة مليون أقام مشروع بناء سكني، هل تصدقون هناك مئتا حرفة متعلقة ببناء البيوت، الذي أنفق مئة مليون لمشروع بناء ضخم ليبيعه وانتفع لكن كم حرفة عملت معه؟ كم إنسان عمل معه؟ ربحه الكبير وزع شاء أم أبى على أكبر شريحة من الناس، فحينما تلد الأعمال المال توزع الأموال على أكبر شريحة بالمجتمع، لذلك التصميم الإلهي للكتلة النقدية أن تكون متداولة بين كل الناس، الآية الكريمة:  ﴿كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء مِنكُمْ﴾. يعني أخطر شيء بالمال كما هو الحال في الأرض عشرة بالمئة من سكان الأرض يملكون تسعين بالمئة من ثروات الأرض.    

     أيها الأخوة، عندنا خطآن كبيران، خطأ في السلوك وخطأ في الفهم، وأنا أرى أن الخطأ في الفهم أكبر وأخطر من الخطأ في السلوك، يعني هذا الانهيار للنظام المالي إذا فهمناه شيئاً عارضاً يصيب كل الأنظمة، إذا فهمناه أن هناك أخطاء تسربت إلى هذا النظام وعلينا أن نزيحها عنه هذا خطأ في الفهم، هذا الخطأ في الفهم يدفعنا أن نتابع الخطأ، أخطر شيء أن تخطئ الفهم، يعني الآن الأحداث التي ترونها في الأخبار يراها جميع أهل الأرض بماذا نحن نتفاوت كمؤمنين؟ بتفسيرها، أنت كمؤمن بطولتك أن تعتمد التفسير الإلهي:  ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾. لذلك أيها الأخوة، احفظوا هذا النص من لم تحدث المصيبة في نفسه موعظة فمصيبته في نفسه أكبر، يأتيه تأديب من الله على كسب حرام، أو على سلوك حرام، هناك تفسيرات لمعالجات إلهية واضحة جداً، أكبر مصيبة ألا تفهم على الله حكمته من تأديب الناس، لذلك أخطر من المصيبة ألا تفهم معنى المصيبة، من لم تحدث المصيبة في نفسه موعظة فمصيبته في نفسه أكبر. هذا النظام المالي الذي انهار ما سبب انهياره؟   

     أيها الأخوة، يعني ببساطة ما بعدها بساطة أول بنك أعلن إفلاسه عمره يقدر بمئة وخمس وخمسين سنة، هذا يعطي أعلى فائدة في العالم مختص بشيء واحد، مختص بشراء الديون ونحن ببساطة ما بعدها بساطة ممنوع في الإسلام أن تبيع الدين، الدين لا يباع أصلاً، فهذا البنك يشتري الدين على أنه سلعة، هذا مال، استحقاق، صار سلعة، باعه لبنك آخر، أحياناً يباع الدين لخمسين بنك آخر، تتشكل ثروات وهمية ليس لها وجود، لأوضح لكم الحقيقة، شركة رأسمالها مئة مليون دولار، هناك أساليب تعرض أسهمها بشكل مفاجئ أسعارها تهبط، يأتي الحيتان العمالقة يشترون كل هذه الأسهم بعد انخفاض قيمتها، ثم يرفضون البيع الأسعار تصعد، كان السهم بخمسة دولارات صار بمئة دولار، فكل واحد معه مئة سهم شعر أن أرباحه تضاعفت عشرة أضعاف، فهذه الشركة من خلال التداول والعقود وبيع الأسهم وشراء الأسهم أصبح رأسمالها عشرة آلاف مليون، بالتداول والبيع والشراء والإيهامات والاحتيالات صار رأسمالها مئة ألف مليون هنا الأزمة، مال وهمي، العالم كله يتعامل بمال وهمي، كلها أرقام على الدفاتر لكن لا يوجد شيء حقيقي، الحقيقي المبلغ النقدي الذي دفع.  

     أيها الأخوة، أريد أن أوضح قضية، عندنا سعران، سعر العرض والطلب وهو الحقيقي، وسعر التداول، البترول قفز من خمسين إلى مئة وخمسين، هذا ارتفاع عقود لا ارتفاع عرض وطلب، فلما توقفت هذه العقود عاد السعر إلى خمسين، الخمسون سعر البترول المحروق المستخدم الآن، نحن عندنا سعر عرض وطلب حقيقيين وعندنا سعر تداول واحتيال، الذي حصل أن العالم جمع ثروات طائلة عن طريق الإيهام، وإعطاء ميزانيات كاذبة عن طريق العقود المتراكمة المتتابعة، صار هناك تضخم نقدي كبير، عندما صار هناك أزمة بالسكن، البيوت التي شريت عن طريق البنوك وانكشف الأمر ضعفت الثقة، أقبل الناس على البنوك ليأخذوا أموالهم البنك ليس معه، هذه الأزمة كلها.   

     أيها الأخوة الكرام، الدول التي رفعت سابقاً شعار لا إله، وآمنت بالمجموع ولم تؤمن بالفرد، أفلس نظامها الاقتصادي كما تعلمون، دول الشرق نظامها الاقتصادي أفلس ولم يحقق أي غاية من غايات النظام، بقي النظام الآخر الغربي عملاقاً، الآن كشف الله زيف هذا النظام والدول التي آمنت بالفرد أفلس نظامها الاقتصادي الربوي أيضاً.  

     أيها الأخوة الكرام، قال بعض علماء الغرب لم يبق للعالم كله إلا النظام الاقتصادي الإسلامي الذي يحرم المتاجرة بالنقد. إنه الربا، ويحرم شراء الدين وبيعه، ويحرم الربح الثابت لأن فيه ظلماً لأحد الطرفين، هذا التحريم يجب أن تعلموا علم اليقين ليس من عند النبي عليه الصلاة والسلام، ولا من اجتهاده، ولا من بيئته، ولا من معطيات العصر: ﴿إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى ﴾.

     لذلك الآن هناك أصوات تعلو في الغرب لإقامة نظام اقتصادي على المنهج الإسلامي، السؤال الدقيق هل ينجح الغرب لو أقام منهجاً إسلامياً؟ الجواب لا، لماذا؟ لأن النظام الاقتصادي الإسلامي جزء من النظام الإسلامي العام، والنظام الاقتصادي الإسلامي أساسه العمل الصالح، وتحكمه القيم الأخلاقية، كل هذا ينبع من عقيدة إسلامية، أروع ما في هذا النظام أن العمل الصالح جزء منه، في عرض وطاب، هناك رواتب يقبلها الناس تقدر بستة أو سبعة آلاف الآن وهناك راتب يكفي الإنسان أقل شيء عشرين ألفاً، فالذي يؤمن بالله واليوم الآخر يتخلى عن أرباحه العالية ويعطي من حوله ما يستحقون. يجب أن يكون لك عقيدة سليمة، تصور إسلامي صحيح، ينتج عنه قيم أخلاقية، ينتج عنه نظام إسلامي أساسه العمل الصالح، عندئذ ينجح النظام الإسلامي الاقتصادي في إسباغ الرخاء والكفاية على كل الناس.  



المصدر: خطبة الجمعة - الخطبة 1107 : خ1 - آيات الله في الآفاق ، خ 2 - أربعة أحاديث بشارة للمؤمن