بحث

ذكر الله أنواعه وفوائده

ذكر الله أنواعه وفوائده

بسم الله الرحمن الرحيم

    أيها الأخوة،  إ ن الذكر له شأن كبير في حياة المؤمن، كيف لا وقد ورد الذكر في ثلاثمئة آية في القرآن الكريم، كل هذه الآيات تؤكد أنه ينبغي أن يدور مع الإنسان في كل شؤونه، وفي كل أحواله، وفي كل أطواره، لأن الذكر عبادة القلب، الصلاة عبادة الجوارح، بل إن الصلاة من أجل الذكر:   

﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ﴾

    أيها الأخوة، لأن الذكر يدور مع الإنسان في كل أحواله، وشؤون حياته يجب أن نتعرف، ماذا تعني كلمة الذكر؟   

  • من الذكر أن تذكر الله في آياته الكونية، فالمؤمنون الصادقون يتفكرون في خلق السماوات والأرض، ويقولون:   

﴿ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾

ومن الآيات الدالة على عظمة الله عز وجل، والتي بثها الله في الآفاق هذا الكون الذي بين أيدينا.  

  • ومن الذكر أن تذكر آياته التكوينية أي أفعاله، قال تعالى:   

﴿ قُلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾

  • فمن الذكر أن تذكره في آياته القرآنية،    ف هذا الكون قرآن صامت، والقرآن كون ناطق، والنبي عليه الصلاة والسلام قرآن يمشي، قال تعالى:  

﴿ أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآَنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآَنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا ﴾

    فلا يحزن قارئ القرآن، ومن تعلم القرآن متعه الله بعقله حتى يموت.   

  • ومن الذكر أن تذكره في نعمه الظاهرة المعروفة، والباطنة، قال تعالى:   

﴿ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ﴾

  • ومن والذكر أن تذكر اسم الله، أن تقول: الله، الله، لقوله تعالى:  

﴿ وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ ﴾

  • ومن أنواع الذكر أن توحده، أن تقول: لا إله إلا الله.   

    ومن أنواع الذكر أن تكبره، أن تقول: الله أكبر، فالعبرة في هذه الأذكار للمقاصد والمعاني، وليس للألفاظ والمباني فقط.  

    من أنواع الذكر أن تسبحه أن تقول: سبحان الله.   

    ومن أنواع الذكر أن تحمده، أن تقول: الحمد لله.   

    سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، تلك هي الباقيات الصالحات التي قال الله تعالى عنها:   

﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلا﴾

    أيها الأخوة، عندما وصف الله تسبيحه، وحمده، وتوحيده، وتكبيره، بأنها باقيات صالحات، وصف زينة الحياة الدنيا بشكل ضمني بأنها الفانيات، فالدنيا عرض حاضر، يأكل منه البر والفاجر، وأن هذه الفانيات قد تكون سبباً لشقاء الإنسان وهلاكه إذا ألهته عن ذكر الله.  

  • ومن أنواع الذكر أن تستغفره، قال تعالى:   

﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً ﴾

  • ومن الذكر أن تدعوه، فالدعاء هو العبادة، قال تعالى:  

﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ﴾

  • ومن الذكر أن تذكر أمره ونهيه، وحلاله وحرامه، ووعده ووعيده، وجنته وناره.   
  • ومن الذكر أن تذكر أعمال الذين أنعم الله عليهم من النبيين، والصديقين، والشهداء، والصالحين، وأن تبتعد عن المغضوب عليهم، وعن الضالين والمضلين كي تصح عبادتك.  
  • ومن الذكر أن تذكره لعباده مُعَرِّفاً، ومن الذكر أن تذكره في قلبك، وفي لسانك، مسبحاً، وحامداً، وموحداً، ومكبراً، ومن الذكر أن تذكر ربوبيته، وأن توحده في أحوالك كلها، وأطوارك جميعها.   
  • ومن الذكر أن تذكره ذكراً كثيراً، ليطمئن قلبك، ولينجلي همك، ولينشرح صدرك، وليتسع رزقك، قال تعالى:   

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً ﴾

     أيها الأخوة، الذكر حياة للقلب، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:   

(( مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لَا يَذْكُرُ رَبَّهُ مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ ))

    فالذكر يجلب الفرح والغبطة، يقوي القلب والبدن، ينور الوجه والقلب، يجلب الرزق، يكسو الذاكر المهابة، والحلاوة، والنضرة، يورث الذكر محبة الله التي هي روح الإسلام، وقطب رحى الدين، ومدار السعادة والنجاة.  

     فذكر الله تعالى جنة الدنيا، فقد قال أحد العارفين: في الدنيا جنة من لم يدخلها لا يدخل جنة الآخرة، إنها ذكر الله، وأشار أحد العلماء إلى هذه الجنة فقال: ماذا يستطيع أن يصنع أعداء بي، جنتي وبستاني في صدري، إن رحلت فهي معي لا تفارقني.  

    وقال آخر: مساكين أهل الدنيا خرجوا منها، وما ذاقوا أطيب ما فيها، قيل له: وما أطيب ما فيها؟ قال: معرفة الله تعالى، ومحبته، ودوام ذكره.  

    أيها الأخوة، يُروى أن شاباً من الذاكرين بدرت منه هفوة حجبته عن الله عز وجل، فضاقت نفسه، وانقبض قلبه، وبات ينتظر العقاب من الله والتأديب، ولكن لم يحدث شيء من هذا، فكان من مناجاته لربه: أن يا رب لقد عصيتك فلم تعاقبني، فوقع في قلبه: أن يا عبدي لقد عاقبتك، ولم تدر، ألم أحرمك لذة مناجاتي وذكري؟  

    وقال الحسن البصري: تفقدوا الحلاوة في ثلاثة، في الصلاة، وفي الذكر، وفي قراءة القرآن، فإن وجدتمْ وجدتم، وإلاّ فالباب مغلق، فابحثوا عن السبب.  

    أيها الأخوة، ذكر الله غاية الغايات، وعلة العبادات، ومآل الطاعات، لذلك جعله الله أكبر من كل عبادة، وأعظم من كل قربة، وغاية كل عمل، قال تعالى :   

﴿ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ﴾

    في مجمل القول، جعل الله الذكر قرين الأعمال الصالحة، وجعل الله الذكر روحها، فمتى خلا العمل من الذكر كان هذا العمل جسداً بلا روح  

     بل ما من عطاء يناله المؤمن من ربه أعظم من أن يذكره الله عز وجل، وذكر الله للعبد جزاءٌ على ذكر العبد لربه، قال تعالى:   

﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ ﴾

    وإذا ذكرك الله عز وجل منحك الطمأنينة، منحك الأمن، منحك الحكمة، منحك الرضا، منحك التوفيق، منحك التأييد، منحك الحفظ، منحك النصر  

    ما هو ضد الذكر؟ الغفلة، قال تعالى:   

﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾

    قال بعض المفسرين: نسيانهم لله عز وجل هو سبب نسيانهم لأنفسهم، لم يعرفوا حقيقة أنفسهم، ولا حقيقة مهمتهم في الحياة، وما ينتظرهم من سعادة أبدية إذا هم أطاعوه، أو عذاب أبدي إذا هم عصوه.  

    فالغفلة عن ذكر الله سبباً لأكبر خسارة تنزل بالإنسان، قال تعالى:   

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾

    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:   

(( ما من ساعة تمر بابن آدم لا يذكر الله فيها إلا تحسر عليها يوم القيامة))



المصدر: خطبة الجمعة - الخطبة 1154 : خ1 - الذكر أنواعه و فوائده ، خ 2 - الأعمال الوحشية لأعدائنا