يسألك سائل أصلي فلا أشعر بشيء، أقرأ القرآن فلا أشعر بشيء، أذكر الله فلا أشعر بشيء، أين المشكلة و ما السبب ؟ وأين الخلل ؟ الحقيقة الله عز وجل يقول:
﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ﴾
الله عز وجل يحول بين المرء وقلبه، أقرب إلينا من حبل الوريد، معنا أينما كنا، بل إن قيامنا به، هو قريب ولكن كيف نحن نقترب منه؟ الحقيقة المرة أن الذي يحول بيننا وبين الله أعمال لا ترضي الله والدليل:
﴿ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾
الله عز وجل عزيز لا يتجلى على المؤمن إلا إذا كان طاهراً، إلا إذا كان مستقيماً، إلا إذا كان ورعاً، إلا إذا كان مخلصاً، يجب أن تتهم نفسك دائماً إنك إن لم تستطع أن تتصل بالله، أنك إن لم تجد حلاوة الإيمان، إنك إن لم تجد حلاوة الذكر، إنك إن لم تجد حلاوة القرآن فاتهم نفسك، هناك شبهة حالت بينك وبين ثمار الإيمان، أو هناك شهوة آثرتها على طاعة الله عز وجل، هذه الحقيقة التي ينبغي أن تكون واضحة وضوح الشمس ؛ إما شبهة أو شهوة، الشبهة تحجبك عن الله عز وجل، والشهوة أيضاً تحجبك عن الله عز وجل، لكن الإنسان إذا شعر بالغفلة هناك إنسان بسرعة وبجهد يسير يتصل بالله، يكون الحجاب رقيق، صغير، تقصير، وأحياناً يكون الاتصال بالله صعباً جداً، الحجاب كثيف، يجب أن تعلم علم اليقين أن كل سعادتك وسلامتك أن تصل إلى الله في الدنيا، أن تصل إليه من خلال الصلاة، أو من خلال الذكر، أو من خلال تلاوة القرآن، أو من خلال المناجاة، أو من خلال الدعاء، أو من خلال التسبيح، أو التكبير، والحمد، وما إلى ذلك.
يمكن أن تتصل بالله وشفتاك مطبقتان، لكن حينما ترى الأمر غير ميسور في حجب، النقطة الدقيقة الأولى، اعلم علم اليقين أن التقصير والمخالفات والشهوات والشبهات حجاب بينك وبين الله، الكافر محجوب عن الله لكن محجوب بسبب كبير جداً أنه أنكر وجوده، أو أنه أنكر أسماءه الحسنى، أو أنه أنكر عدله، أو أنه أنكر رحمته، لكن معقول مسلم لسبب صغير يحجب عن الله ؟ لسبب قليل ؟ المشكلة راجع حساباتك، راجع نفسك.
من ثمرات الاتصال بالله عز وجل:
أول نقطة علامة اتصالك بالله، علامة إقبالك عليه، علامة إخلاصك له، علامة استقامتك، أن الله عز وجل يكافئك بنور يقذفه في قلبك ترى به الخير خيراً والشر شراً، هذه ميزة أيها الأخوة، يصعب تصورها، لا تقع في ورطة، لا تقع في خطأ كبير يدمرك، أنت مستنير بنور الله، ترى بنور الله، وتنطق بتوفيق الله، وتتحرك وفق منهج الله، أول ثمرة من ثمار اتصالك بالله أنك تشعر برؤية صحيحة، المؤمن يملك رؤية صحيحة يرى الخير خيراً والشر شراً، يعني لا أقول معصوم لا ليس معصوماً، لكن إن أخطأ ففي أشياء صغيرة جداً أما أن يقع في كبيرة، أن يقع في ورطة، تودي به إلى الدمار مستحيل، لأنه يرى بنور الله، لأنه ينطق بتوفيق الله له مرجع.
أيها الأخوة، مثل بسيط أضعه بين أيديكم، مثل افتراضي، أب كبير، كبير بعلمه، باختصاصه، وبرحمته، وغني، ويحرص على تربية ابنه حرصاً لا حدود له، هيأ له أفضل مدرسة، أفضل مكتبة، أفضل أصدقاء، له غرفة خاصة يتابعه في أدق التفاصيل، ترى الطفل مهذب، الأول في مدرسته، أنيق في لباسه، انظر إلى طفل آخر لا ولي له، من مكان إلى مكان، من بناء إلى بناء، من مخفر إلى مخفر، منحرف، رث الثياب، يسرق، يرتكب الفواحش، يساق إلى السجن أحياناً، هذا لا ولي له، اسمع الآية الآن:
﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ ﴾
لك مرجع، مرجعك الله، لك كتاب مرجعك الكتاب، لك نبي عظيم مرجعك سنته الشريفة، أنت لك مرجع:
أول حقيقة أن المؤمن إذا وصل إلى الله، واصطلح معه، وأقبل عليه، واستقام على أمره، وأخلص له، يقذف الله في قلبه نوراً يريه الحق حقاً والباطل باطلاً. قلما يقع المؤمن في ورطة كبيرة، هذه الحقيقة الأولى، ما الدليل ؟ الدليل هذه الآية:
﴿ أَوَ مَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا ﴾
هذه أول ثمرة من ثمار الاتصال بالله، الوصول إلى الله، الإقبال على الله.
العلامة الثانية تنتقل اهتماماتك إلى الدار الآخرة.
(( من أصبح وأكبر همه الآخرة جعل الله غناه في قلبه، وجمع عليه شمله وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن أصبح وأكبر همه الدنيا جعل الله فقره بين عينيه، وشتت عليه شمله ولم يؤتيه من الدنيا إلا ما قدر له ))
أول ثمرة من ثمار الوصول إلى الله: نور يقذفه الله في قلبك ترى به الخير خيراً والشر شراً، والثمرة الثانية أنه تنتقل اهتماماتك إلى الدار الآخرة، لذلك الإنابة إلى دار الخلود والتأهب ليوم النشور.
العلامة الثالثة وجل القلب عند ذكر الله، الدليل:
﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ ﴾
يبكي المؤمن، يضطرب قلبه، يخفق قلبه، إذا ذكر الله وجل قلبه يعني اضطرب، شعر برعشة، رعشة إيمانية نقلته إلى الله عز وجل،
الآن من علامات الوصول إلى الله أيضاً خشوع القلب عند ذكر الله:
﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴾
الخشوع السكون، يعني إنسان يصلي بحركات زائدة إذا صلى خشع قلبه وخشعت جوارحه، إذا استمع إلى القرآن يخشع ويبكي، الخشوع السكون، والركون، والانبساط، الآية:
﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ )
هناك علامة أخرى هذه العلامة حضور القلب في الذكر والصلاة، أنا لا أقول لك إنك إن صليت لن تشرد إطلاقاً لكن المؤمن في معظم صلاته مع الله، واقف بين يدي الله، يناجي ربه، يقول في صلاته سمع الله لمن حمده، يا رب لك الحمد خلقتني، هديتني، أكرمتني، سترتني، غفرت لي، في مناجاة، إن أردت أن تحدث الله فادعه، وإن أردت أن يحدثك الله فاقرأ القرآن، يا موسى أتحب أن تكون جليسي ؟ قال: كيف أكون يا رب جليسك وأنت رب العالمين ؟ قال أما علمت أنني جليس من ذكرني وحيث ما التمسني عبدي وجدني.
كان بعض العلماء يصفون المؤمن القريب من الله كمصباح، البلورة صافية، مستودع الوقود ممتلئ، الفتيلة جاهزة، يحتاج إلى عود ثقاب، أما الإنسان البعيد البلورة مسودة، والمستودع فارغ، والفتيل محروق، فهناك جهود كبيرة جداً حتى يصل إلى الله عز وجل، يعني البطولة ألا يكون هناك حجاب بينك وبين الله، لذلك عقب العبادات تشعر أنك في حال غير الحال الآخر، عقب الصلاة في راحة، عقب الصيام في راحة، عقب الأذكار في راحة، هذه الراحة التي تأتي عقب العبادات، دليل أنك موصول بالله عز وجل.
أيها الأخوة الكرام، عندنا علامة أخرى من أروع العلامات أنك إذا وصلت إلى الله، وأقبلت عليه، واستقمت على أمره، وتقربت إليه، أذاقك الله حلاوة الإيمان، حلاوة الإيمان شيء يصعب وصفه، يعني بالضبط بين أن تفهم بعض حقائق الإيمان وبين أن تذوق حلاوة الإيمان مسافة كبيرة جداً، كالفرق بين أن تقول ألف مليون وبين أن تملكها، كم هي المسافة بين أن تقول ألف مليون بين أن تمتلكها أو أن تنطق بها؟
علامة الوصول إلى الله لا تستأنس بالناس، وقد قيل الاستئناس بالناس من علامات الإفلاس، يعني يحلو لك أن تكون وحدك في البيت، أن تقرأ القرآن وحدك، أن تناجي ربك وحدك، أن تمشي في الخلوات، أن تبادر إلى الصلوات، لا تستأنس بالناس، ويستوي عندك مديحهم أو ذمهم.
- من ثمار الوصول إلى الله أن تقطف من الصلاة ثمارها
من ثمار الوصول إلى الله أن تقطف من الصلاة ثمارها، طهارة ونور وحبور.
﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء َالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾
يعني مستحيل وألف ألف مستحيل أن يرتكب المصلي فاحشة أو منكراً أو أن يؤذي أو أن يستعلي أو أن يتآمر أو أن يخدع، إن الصلاة تنهى، هذه ثمار الصلاة.
- من علامات الوصول إلى الله أنك تستمتع بالعبادات
أيها الأخوة، من ثمار الوصول إلى الله أن العبادة تستمتع بها، تستمتع بشهر رمضان، رمضان شهر عبادة، رمضان لك من أجمل أشهر السنة، رمضان اتصال بالله، رمضان عبادة، رمضان طاعة، من علامات وصولك إلى الله أنك تستمتع بالعبادات، أحياناً إنسان يحج يعود من الحج ويحدثك عن كل شيء إلا الحج، أين سافر، أين نزل، ركوب الطائرة، الوصول على المطار، من استقبله، الماء البارد، الطعام الطيب، الازدحام الحر، وبالحج بماذا شعرت ؟ وأنت في الطواف، بماذا شعرت وأنت أمام الحجر الأسود ؟ بماذا شعرت وأنت في السعي ؟ بماذا شعرت وأنت في عرفات ؟ هذه المشكلة، أن علامة الوصول إلى الله تغدو العبادات مسعدةً .
- الإنسان حينما يتصل بالله يصبح حياً:
﴿ أَوَ مَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ ﴾
الإنسان من دون اتصال بالله ميت، أو كالبيت الخرب، لذلك الآية الكريمة:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ﴾
دقق:
﴿ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لك فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ ﴾
أنت على أحد طريقين لا ثالث لهما إما أن تستجيب لله أو أن تستجيب للهوى، إما أن تكون مع الله أو مع الهوى، مع الله والدار الآخرة، مع الهوى والدنيا، إما أن تستجيب لوحي السماء وإما أن تستجيب لنداء الغريزة فذلك:
﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ ﴾